كلفة رش المبيدات ترتفع من 50 مليون ليرة إلى 400 مليون
رشا أبو زكي
يتذكر جميع أبناء بيروت «ضباب الكاز» أو رش مبيدات البرغش من جانب مصلحة الهندسة الصحية في بلدية بيروت بالآلية التقليدية التي لم تكن تكلّف البلدية أكثر من 50 مليون ليرة سنوياً، وقد استمر استخدام هذه الآلية لأنها تتناسب مع شوارع بيروت الضيقة من جهة، كما أنها أثبتت فعاليتها على مدار السنوات الماضية، إلى أن طلب أحد المدراء في البلدية المحسوب على محافظ بيروت بالتكليف ناصيف قالوش من المحافظ نفسه ضرورة استخدام طريقة حديثة لرش المبيدات ضد البرغش، بحيث يُستغنى عن الطريقة التقليدية... وهكذا أُعدّ دفتر شروط على عجل، وقدمت شركة دبانة عرضها بسرعة مقابل مبلغ مليار ومئة مليون ليرة، وكادت الصفقة أن تتم بالتراضي لولا تدخل المجلس البلدي الذي رفضها، مقترحاً إجراء مناقصة. وبعد أن تسرّبت معلومات عن أن شركة كويك سرفيس للزراعة والتجارة والصناعة (وهي شركة صغيرة مدعومة من أعضاء في مجلس البلدية) ستدخل المناقصة، عدّلت دبّانة المبلغ ليصبح بسحر ساحر 600 مليون ليرة!
وجاءت المفاجأة عندما قدمت شركة كويك سرفيس عرضها للقيام بعملية الرش مقابل 400 مليون ليرة... وهنا ظهرت الخلافات الحادة، إلى أن تمّت التسوية، بحيث يأخذ فريق البلدية عرض رش المبيدات، في مقابل أن يحصل فريق المحافظ على تلزيم ترميم مبنى مهجور في منطقة الكرنتينا لمصلحة الصحة في البلدية، وبذلك ارتفعت قيمة عملية إبادة البرغش 350 مليون ليرة من دون وجود أي مسوّغ أو مبرر مقنع لهذا الإنفاق الإضافي!

تهويل وضغوطات

بدأت كويك سرفيس عملها، بالتزامن مع ضغوطات من مدير مصلحة الصحة جوزف قزي، كانت تتمحور حول إجبار الشركة على شراء مواد المبيدات من شركات معينة، وأصبحت الشركة تتلقى اتصالات من عدد من الشركات العاملة في المجال، تعرض على الشركة استخدام سلعها، وفي الوقت نفسه، عمد القزي إلى تسويق هذه السلع المرتفعة الأسعار أمام الشركة، محاولاً إرغامها على شرائها، علماً بأنها لا تتطابق مع دفتر الشروط وفق ادعاء كويك سرفيس. لم تستطع الشركة الصغيرة القيام بعملها، كما لم تقرّ صفقة ترميم مبنى الكرنتينا، فاشتعلت الخلافات من جديد بين فريق المحافظ وبعض أعضاء البلدية، وخصوصاً أنه تتردد معلومات عن إعادة التلزيم إلى شركة دبانة وفق العرض الذي قدمته بـ600 مليون ليرة.
ويوضح كتاب وجهته كويك سرفيس في 14 تموز الماضي إلى قالوش أن الشركة، أثناء تطبيق الشروط واستيفائها، واجهت الملاحظات والتساؤلات التي أبداها مدير مصلحة الصحة جوزف القزي عن المبيدات وشهادة منشئها، فكان إبراز للمستندات المطلوبة، وجرى تسلّم تلك الموارد وتخزينها في مستودع البلدية، بحضور الإدارة والشركة، واستعمالها في عملية المكافحة، ولكن بعد التسليم والبدء بالعمل، عادت الإدارة لتشكك بشهادات المنشأ، «مما اضطرّنا للتفاوض معها بهذا الخصوص، مع العلم أن الإدارة سبق أن استخدمت تلك المواد لأكثر من سنتين، وأعطت نتيجة مرضية ولم يُعترض عليها ولم تُمنع آنذاك».
ويشير الكتاب إلى استمرار الضغوط المتواصلة بهذا الشأن، مما اضطرّنا إلى استبدال المواد وتأمين مصدر آخر بناءً على طلب الإدارة، مستوفين بذلك جميع المستندات اللازمة. أما بالنسبة لمعدات الرش، فلقد عرضنا معدات أميركية الصنع لم تقنع الإدارة، فاستجبنا لطلب استبدالها بمعدات ألمانية متطورة تفوق تميزاً ما ورد في دفتر الشروط، مرفقين بها المواصفات الفنية».
ويضيف «في البداية اقتنعت الإدارة وبدا العمل بالالتزام منذ انطلاق ساعة الصفر بتاريخ 24/4/2008 بعد طول انتظار، ولكن قبل انطلاق تلك الأعمال وبعده، تعرضت الشركة لضغوطات ومضايقات من جانب مصلحة الصحة، بدءاً بالتهويل بالنكول، مروراً بالتشكيك بالمعدات والمواد والشهادات، وصولاً إلى التقصير بالتنفيذ ومضايقات وتجاوزات بعض الموظفين في الإدارة من تغرير وتهويل. بالنسبة للتهويل بالنكول، فلقد استعمل هذا السلاح مرات عدة بحجة تقصيرنا وعدم التزامنا لتقديم الشهادات المطلوبة، علماً بأنها كلها موجودة في الملف».
ويشير الكتاب إلى أنه «تعقيباً على موضوع الشهادات والمعدات، فلقد طلبنا من الإدارة مراراًَ إعطاءنا إفادة خطية بشكل تفصيلي بالطعون والملاحظات المتعلقة بتلك المبيدات والمعدات، كي يتسنى لنا مراجعة الشركات الموردة ومحاسبها، ولكن الإدارة رفضت إعطاءنا تلك الإفادات من دون أي تبرير».
أما المدهش في موضوع الكتاب فكان أنه «أثناء القيام بالأعمال والاجتماعات مع إدارة الصحة، وردتنا اتصالات من شركات معينة تسوّق لبضائعها، وقد صادف هذه الاتصالات تواريخ الاجتماعات نفسها بيننا وبين مديرية مصلحة الصحة. ولكن من المستغرب أنه مع مرور الوقت سوّق أحد الموظفين في الدائرة المذكورة لتلك الشركات والنصح بها وبأسعارها، والضغط من أجل إرغامنا على الشراء منها بأسعار عالية. علماً بأن بعض تلك البضائع المروّجة مخالفة لدفتر الشروط، ولدينا ما يثبت هذا الموضوع بالمستندات اللازمة، إضافة إلى الكثير من الشكاوى التي أطلعنا عليها المرجع المختص في الإدارة، ولكن طلب منا التستر وعدم إبلاغ المحافظة».

خلاف ومصالح

ومن المعلوم أن التباسات كثيرة تعتري العلاقة بين المجلس البلدي في بيروت ورئيسه من جهة، ومحافظ مدينة بيروت من جهة أخرى، وكلا الطرفين يعزو الأسباب إلى الخلافات على الصلاحيات بين سلطة تنفيذية معينة (المحافظ) وسلطة منتخبة شعبياً (المجلس البلدي)، وهي إن ظهرت للرأي العام باعتبارها خلافات على حصص الطوائف، ولكن في حقيقتها تتستّر على صراع خفيّ تتداخل فيه المصالح والمنافع والأعمال الخاصة، بعكس معظم البلديات اللبنانية، حيث تكون البلدية ورئاستها مستقلة عن قرارات المحافظ. وإن كان هذا الشكل من العلاقة قد ميز مرحلة دائمة قديمة، فإن المستجد فيها دخول عناصر جديدة أهمها انعكاس الوضع السياسي المأزوم عليها، حيث بدأت الخلافات الشهيرة والاتهامات المتبادلة التي حصلت منذ أشهر بين أكثرية أعضاء المجلس البلدي (المدعومين من المحافظ) ورئيس المجلس عبد المنعم العريس.


400 مليون ليرة

هي كلفة ترميم مبنى في الكرنتينا لمصلحة الصحة في بلدية بيروت، وقد رُفعت القيمة التي كانت 75 مليون ليرة إلى 400 مليون خلال المفاوضات على عملية تلزيم رش المبيدات، وفق تسوية لتقاسم المنافع، علماً بأن هذه المصلحة لا تحتاج إلى هذا المركز


الخلاف في مرحلة اللاعودة