يعيش السودان اليوم على وقع المبادرات والتهديدات المتعدّدة المصادر؛ فرغم أن المبادرة العربية على ما يبدو في طريقها إلى تحقيق اختراق على صعيد إنشاء محاكم خاصة لمنفذي الانتهاكات في دارفور، إلا أن التهديدات لا تزال تنهال على الخرطوم
معمر عطوي
وصف رئيس لجنة التشريع في مجلس الولايات السوداني، إسماعيل الحاج موسى، زيارة الرئيس عمر حسن البشير إلى منطقة دارفور الغربيّة، بأنها بمثابة تأكيد للأمن وللالتفاف الشعبي حوله هناك، بعد طلب المحكمة الجنائية الدوليّة توقيفه بتهمة التورط في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الإقليم المضطرب.
وقال الحاج موسى، لـ«الأخبار»، إن الرئيس السوداني «يريد أن يصوّر أن الأمن في المنطقة مستتبّ وأن الوضع ليس كما يصوّره أعداء السودان بأنه مضطرب جداً هناك»، مشيراً إلى أن «هذا الرئيس ليس معزولاً. وهو يزور المنطقة التي يقال إنه قتل فيها آلاف الأشخاص».
ورأى ممثّل الخرطوم في مجلس الولايات أن الاتهام الذي أصدره المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، «مسطّح، وضعيف جداً من الناحية القانونية».
وعن دور الجامعة العربية في حلّ الأزمة بين الخرطوم والمحكمة الجنائية الدوليّة، قال الحاج موسى «نحن نعوّل على محيطنا وعلى مواطنينا وعلى وحدتنا الوطنية. لكننا مع ذلك نعتقد بأننا لا بد أن نلجأ إلى المنظمات التي نحن أعضاء فيها، مثل الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي. الجامعة العربية وللمرة الأولى لم تكتف ببيانات الاستنكار والشجب، وإنما بدأت تقترح بعض الخطوات العملية». لكنه استدرك قائلاً إن «الجامعة العربية هي مؤسسة معروفة بضعفها. هذه الجامعة لم تفعل شيئاً مفيداً حتى الآن للأمة العربية. نحن حين نتحدّث معهم فمن منطلق انتمائنا إليهم، لكننا لا نعوّل عليهم كثيراً».
ورأى الحاج موسى أن الاتحاد الأفريقي يمكنه أداء دور أكبر من الجامعة العربية «لأنه كان قد تسلّم ملف هذه القضية وأرسل قوات ومراقبين وكذلك منظّمات قضائية. واستضاف المفاوضات السياسية في عاصمة نيجيريا، أبوجا».
ولمّح المسؤول السوداني إلى محاولات وساطة تقوم بها الجامعة العربية لتسوية الأزمة بين السودان والغرب. وقال «هم يجرون اتصالات عديدة مع الدول والمنظمات ومع الأمم المتحدة بصفة خاصة. لكن لم يصدر أي شيء عن الجامعة العربية في هذا الخصوص». وشدد في الوقت نفسه على «أننا لن نقبل أي تسوية نُلزم بموجبها بتسليم أي مواطن سوداني. نحن نقوم بإجراء محاكمات عندنا في السودان وليحضر مراقبون دوليون لمتابعتها»، مشيراً إلى قرار الخرطوم بعدم تسليم المتهمين، أحمد هارون وعلي الكشيب. وأوضح أنه بموجب النظام الأساسي لاتفاق روما، الذي أُنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، «من حقّنا إن كانت هناك اتهامات ضد أي مواطن سوداني أن يحاكم في داخل السودان. لأن هذا النظام في ديباجته وفي مادته الأولى يقول بالنص: إن المحكمة الجنائية الدولية مكمّلة للهيئات الجنائية الوطنية». وأضاف: إن النظام يقول أيضاً في الباب الخاص بالمقبولية وعدم المقبولية «ألا تكون الدعوى مقبولة إذا كان المواطن الذي وُجّهت إليه التهمة يمكن محاكمته في دولته. إلا إذا كانت الدولة غير راغبة سياسياً وغير قادرة قضائياً».
وخلص الحاج موسى إلى أن السودان «سياسياً لديه رغبة لأن رئيس الجمهورية شكّل لجنة تحقيق برئاسة رئيس قضاء سابق وأنشئت محاكم؛ حتى محاكم ميدانية في دارفور أصدرت أحكاماً بالإعدام. أما لجهة القدرة القضائية فأعتقد أن لدينا نظاماً قضائياً قادراً جداً. لذلك من حق السودان أن يحاكم مواطنيه داخل أراضيه لأن هذه المحكمة مكمّلة للهيئات الجنائية».
«وما يدعو إلى السخرية»، في نظر الحاج موسى، هو أن الولايات المتحدة «رفضت القرار 1593، الذي أحيلت بموجبه قضية البشير من مجلس الأمن الدولي إلى محكمة الجنايات الدولية. وهدّدت واشنطن بأنها لن تصوّت مع هذا القرار وأنها تملك حق نقضه. ومن أجل هذا عقدت صفقة رخيصة وغير أخلاقية مع الاتحاد الأوروبي بأن يستثنى رعاياها في نص القرار نفسه من الملاحقة. أكثر من ذلك، وفي القرار نفسه، قالت إنها غير ملتزمة أو متعهدة بأي إسهام مادي في تنفيذ هذا القرار حتى تقول إنها لا تعترف بهذه المحكمة. ولكن إذا صدر قرار عنها لتهديد مواطنين سودانيين أو رئيس الجمهورية السودانية، تخرج إلينا الولايات المتحدة وتطالبنا بأن ننصاع لقرار المحكمة».
وأوضح المسؤول السوداني أن «القرار الدولي 1593 الذي استند إليه لإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، ارتكز على ما يسمّى لجنة تقصّي الحقائق الدولية، التي تجمع المعلومات فقط. فيما تقوم لجنة التحقيق بالتحقّق والاستجواب وجمع البيّنات وتقويمها».
وعلّق الحاج موسى على عريضة الاتّهام التي قدّمها أوكامبو ضد البشير بالقول «ليس فيها أية أدلة أو براهين يُعتّد بها من الناحية القانونية. كلّها شهادات سمعية، وهذه الشهادات لا يُعتّد بها في أية محاكم»، مضيفاً أن «المدعي العام لم يشهد بنفسه ولم يبعث بلجنة تحقيق ولم يتقصّ الحقائق، بل اعتمد على أقوال سمعية من بعض من هم خارج السودان. ماذا تتوقع أن يسمع منهم؟ هل تعتقد أنهم سيمتدحون البشير؟ طبعاً لا».
وأشار عضو مجلس الولايات السوداني إلى أن «تقرير المدعي العام جاء في وقت أصدرنا فيه قانوناً للانتخابات ممتازاً جداً، فيه نظام مختلط بين الجغرافيا والتفسير العلمي. وفيه تخصيص حصة للمرأة تبلغ ربع مقاعد المجلس في البرلمان، وفيه رقابة دولية منصوص عليها»، مؤكداً أنه «كلما كان هناك تقدم أو إنجاز يخرجون علينا إمّا بقرار لمجلس الأمن وإمّا بمثل هذا التقرير من المدّعي العام. التوقيت مقصود منه إجهاض إنجازات حصلت في السودان».
وفي ما يتعلق بالاقتراح الذي يقوم بموجبه مجلس الأمن بالسعي لتعليق صدور أمر القبض على البشير لمدة عام، قال الحاج موسى «نحن لا نسعى لتأجيل القرار بل إلى إلغائه». ويرى أن «أوكامبو هو من ينبغي أن يحال إلى المحاكمة لأنه صرّح على لسان المتحدث الرسمي باسمه، أنه كان يخطط لخطف أحمد هارون».