قد يبدو الحديث عن أزمة مالية في السلطة الفلسطينية غير منطقي في ظل السخاء الدولي لدعم الرئيس محمود عباس في الفترة الأخيرة، غير أن الغوص في الخلفيات السياسية والرقمية، تجد للأزمة ما يبررها
رام الله ــ أحمد شاكر
تعاني حكومة تصريف الأعمال الفلسطينية برئاسة الاقتصادي المخضرم، سلام فياض، ضائقة مالية قد تؤدي إلى حرمان آلاف الموظفين في الضفة الغربية وقطاع غزة الرواتب، بدءاً من بداية الشهر المقبل، إذا لم تلتزم الدول العربية والمجتمع الدولي تنفيذ الوعود التي قطعاها على أنفسهم في مؤتمر باريس مطلع العام الجاري بإمداد الحكومة بالمال.
الأزمة قد لا تكون جديدة على حكومة فياض، إذ تعرضت للمشكلة نفسها في أيار الماضي، بعدما أحجمت إسرائيل عن تسليم أموال الضرائب إلى الحكومة، احتجاجاً على ما سمته «تحريض» فيّاض على الدولة العبرية في المحافل الأوروبية لمنع الشراكة بين الطرفين. حينها، اضطرت حكومة تسيير الأعمال إلى تأجيل دفع رواتب الموظفين عشرة أيام، وهو ما انعكس بالسلب على تقويم الفلسطينيين لفياض، الذي كان قد وعدهم بترتيب الأوضاع الاقتصادية وعدم تكرار مرحلة الحصار المالي الذي تعرضت له السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وخصوصاً خلال فترة تولّي «حماس» رئاسة حكومة الوحدة الوطنية قبل أكثر من عام.
وأشارت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إلى رغبة أوروبية وعربية في إظهار فياض فاشلاً في تغطية الموازنة الفلسطينية بعد نفوذه الواسع الذي ازداد عند الفلسطينيين في غزة والضفة منذ توليه رئاسة الحكومة عقب الحسم العسكري لـ«حماس» في غزة منتصف حزيران قبل الماضي.
وأوضحت المصادر أن مقربين من الرئيس محمود عباس وقياديين في حركة «فتح» منزعجون من ازدياد نفوذ فياض ويخشون ضياع السلطة من يدهم في الضفة الغربية، كما ضاعت في غزة، وقد يكونون سبباً مباشراً في تأخير تحويل الدول العربية والأوروبية الأموال لحكومة فياض، ولا سيما أن أوساطاً في «فتح» سبق لها التحذير علناً من «انقضاض» فيّاض على الرئاسة.
وكان فيّاض قد اشتكى من أن أي مساعدات خارجية لم تصل إلى الخزينة الشهر الجاري، وأن الحكومة تبذل «جهوداً جبارة» لتوفير الأموال اللازمة لدفع رواتب ومستحقات الموظفين والمؤسسات. وأعرب عن تخوفه من حدوث أزمة مالية، واصفاً الوضع المالي للسلطة الوطنية بالحرج، وشكك في قدرة الوزارة على الوفاء بالالتزامات ما لم تحول الدول المانحة وبعض الدول العربية المستحقات التي التزمت بها للخزينة العامة في مؤتمر باريس.
وفي السياق، حذّر وزير التخطيط الفلسطيني سمير عبد الله من احتمالات تفاقم الأزمة المالية إذا لم يجر دفع التعهدات العربية والأجنبية. وقال إن الميزانية يجب أن يكون فيها مليار و600 مليون دولار والحكومة بحاجة شهرياً الى 210 ملايين دولار، منها 110 ملايين دولار لرواتب الموظفين، وإذا لم تدفع الدول فإن الحكومة قد لا تستطيع دفع الرواتب خلال الأشهر المقبلة.
وأضاف وزير التخطيط: «هناك 90 مليون دولار تدخل الميزانية من المقاصة الإسرائيلية، و30 مليون دولار تحصل عليها الحكومة من الجباية المحلية، وعلى أثر ذلك يكون هناك نقص يصل من 90 إلى 120 مليون دولار لتغطية نفقات الرواتب حتى يكمل المبلغ الشهري الذي تحتاج إليه الحكومة».
وقال سمير عبد الله إن «بريطانيا وعدت بدفع 20 مليون دولار هذا الشهر، إضافة إلى الكويت التي وعدت بدفع 80 مليون دولار، وهذا يخفف من عبء هذا الشهر، ولكن لا يزال مصير الأشهر التي تليه مجهولة وتهدد بحصول أزمة مالية». وقال: «ما وصل للحكومة منذ بداية العام بلغ 920 مليون دولار، ونصف المساعدات التي تأتي من الدول العربية تصل إلى ما نسبته 15 في المئة والنسبة المطلوبة يجب أن تصل إلى 30 في المئة فما فوق». وأكد أن الأوروبيين تقدموا بمدفوعات لتمويل مشاريع ومعظم تلك الدول دفعت أموالاً في الأشهر الأولى والباقي قطع على نفسه تعهدات بمساعدات ولكنه لم يحدد كيفية الدفع.