وكأنّ تنظيم «داعش» في ليبيا لا يأبه لكل ما يثار من كلام إعلامي عن ضرورة مواجهته والقضاء عليه هناك. بخطى مريبة ووفق خطط مدروسة بحرفية كالأفلام الدعائية التي ينتجها، تسير خطوات التنظيم في ليبيا لتثبيت حضوره في بلاد تنازعتها الأحداث، في وقت يبدو فيه أن الانقسام بين الأطراف الفاعلة في الملف الليبي آخذ في التوسع حيال كيفية المواجهة. في مقابل ذلك، يؤكد قائد «عملية الكرامة»، اللواء خليفة حفتر، استكمال المعركة ضد الإرهاب وتطهير ليبيا منه، مشدداً على أن الحرب التي يخوضها الجيش هي «حرب مقدسة بكل المقاييس».
وبعد إعلان «داعش» مسؤوليته عن الهجمات التي وقعت في برقة يوم الجمعة، تبنى التنظيم أمس هجمات استهدفت مقر السفارة الإيرانية ومطار الأبرق. وأعلن ما يعرف بـ«ولاية طرابلس» التابع لتنظيم «داعش»، مسؤوليته عن هجوم استهدف السفارة الإيرانية. وبثت صفحات تابعة للتنظيم على موقع «تويتر» صوراً أظهرت لحظة التفجير، الذي استهدف مقر السفارة في منطقة بن عاشور وسط طرابلس. بينما أظهرت صور أخرى التقطت من مسافة قريبة حطاماً في مرأب سيارة بمنزل السفير المحاذي لمقر السفارة، وتعليقاً مكتوباً على الصور يثبت أن حادث الاعتداء تم بعبوات ناسفة.
حذرت باريس من أن خطر «داعش» يستهدف أوروبا

وكان مسؤولون في الغرفة الأمنية المشتركة وإدارة الأمن الدبلوماسي التابعتين لوزارة الداخلية، قد أكدوا في تصريحات لوكالة «الأناضول» أن الحادث لم يسفر عن أضرار بشرية بسبب خلوّ المكانين، واقتصرت الأضرار على تحطم في واجهة منزل السفير. وكان التنظيم قد شن هجمات يوم السبت على مطار الأبرق الدولي شرق ليبيا بصواريخ "غراد".
وكانت البعثة الدبلوماسية الإيرانية قد غادرت ليبيا منذ منتصف عام 2013 لأسباب «أمنية». ورداً على استهداف السفارة الإيرانية، دانت وزارة الخارجية في "حكومة الإنقاذ الوطني" في طرابلس، وحزب «العدالة والبناء» (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا)، الهجوم.
في سياق متصل، تعهد قائد «عملية الكرامة»، اللواء خليفة حفتر، استكمال المعركة ضد الإرهاب وتطهير ليبيا منه. وشدد حفتر، في بيان، على أن الحرب التي يخوضها الجيش هي «حرب مقدسة بكل المقاييس».
وبعد سيطرة تنظيم «داعش» بشكل كامل على مدينة سرت وتمدده إلى منطقة النوفلية المحاذية شرقاً للمدينة، دعا أحد زعماء التنظيم في مدينة سرت، أبو محمد الفرجاني، مسلحي مدينة مصراتة إلى «إعلان توبتهم ورجوعهم إلى الله والمبادرة بمبايعة (زعيم التنظيم أبو بكر) البغدادي».
وتوعد الفرجاني الذي ظهر في تسجيل مرئي تداولته صفحات التواصل الاجتماعي أمس، من وصفهم بـ«جيش الصحوات وأبناء الصليب بالذبح قصاصاً شرعياً».
في غضون ذلك، أعلن محمد الحصان، آمر "الكتيبة 166" العسكرية، المكلفة من "المؤتمر الوطني الليبي العام" في طرابلس باستعادة مدينة سرت من «داعش»، في تصريحات خاصة لوكالة «الأناضول»، أن قواته بدأت التمركز على مداخل المدينة لاستعادتها.
بدوره، شدد رئيس «حزب الوطن الليبي»، عبد الحكيم بلحاج، على أن التلويح بالتدخل العسكري يضفي مزيداً من تأزيم الموقف ومن إرباك للمشهد، ويعتبر بمثابة صب للزيت على النار. وأضاف بلحاج في تصريحات لوكالة «الأناضول»، إن «المطلوب الآن من الدولة الليبية، ومن الثوار موقف حازم وحاسم تجاه تنظيم الدولة في ليبيا»، محذراً في الوقت ذاته من أن الممارسات الإرهابية ستدخل ليبيا في أتون التفجيرات والاغتيالات، التي ستولد حرباً أهلية، و«هو ما سيتيح لبعض الدول الاقليمية التدخل في شؤوننا، وهو ما نرفضه، وبالتالي المطلوب قطع أي ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية الليبية».
وعلى الرغم من عدم قدرة مجلس الأمن الدولي على إصدار قرار دولي يجيز التدخل العسكري في ليبيا، لا تزال فرنسا المتحمسة للتدخل على مواقفها المتشددة حيال تطور الأوضاع في ليبيا. وعاد، أول من أمس، رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، إلى اعتماد خطاب التحذير من خطر «داعش» على أوروبا كوسيلة للحصول على تفويض أوروبي رسمي وشعبي لمواجهة التنظيم.
وعبر فالس، في تصريحات للصحافيين في مدريد، حيث حضر اجتماعاً للزعماء "الاشتراكيين الديموقراطيين" في أوروبا، عن قلقه بشأن انتشار «داعش» في ليبيا، وأضاف إنه «نظراً إلى حالة العالم، فإننا سنعيش مع خطر الإرهاب الكبير هذا خارج حدودنا وفي داخل مجتمعاتنا أيضاً»، داعياً إلى «التصرف بعزم لا يلين على الصعيد الدولي لتعزيز دفاعنا... لتعزيز أمننا ومخابراتنا على غرار ما نقوم به في فرنسا».
تصريحات فالس تناقضت مع تصريحات نظيره الإيطالي، ماتيو رينزي، الذي أكد أن بلاده لا تتعرض لتهديد من قبل تنظيم «داعش».
وأوضح رينزي، في مقابلة مع التلفزيون الحكومي، أمس، أن «موضوع ما يسمى الدولة الإسلامية (في إشارة لداعش) حساس جداً وخطير». وأضاف «لا للمبالغة، فنحن لسنا معرضين للهجوم من قبل ذلك التنظيم، ولكن لا يمكننا التقليل من شأن أي تهديد، وينبغي أن نتحلى بالحس السليم والحزم، وأن تكون لدينا القدرة على فهم ما يحدث على أرض الواقع».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)