تعمد جهات منظّمة إلى السيطرة على منافذ المياه في قرى غرب بعلبك، فتقطعها عن الأهالي، وتحوّلها إلى حقول الحشيشة والمزروعات الأخرى لرّيها، بمبالغ تبدأ بـ100 دولار على كل ساعة ري
البقاع ــ رامح حميـة
حين يصل سعر صهريج المياه إلى 30 ألف ليرة في قرى غرب بعلبك التي تقبع في أحضان أكثر من مئة ينبوع، وعندما يستجدي الأهالي العطشى مياه الشرب من آبار تفتقر الحد الأدنى من المواصفات الصحية، فبالتأكيد هنالك مشكلة لا بد من معالجتها بشكل جذري. ففي كل عام، وما إن يطل تموز، حتى تبدأ معاناة مناطق غرب بعلبك من انقطاع حاد في المياه بسبب شح المياه من جهة، وتحويل القسم الأكبر منها بشكل مخالف لري المزروعات... والحشيشة!
فبين فترة من «إجت .. وانقطعت»، و«خفيفة ما عم تتطلع على الخزان»، أصبح عمر أزمة المياه في المناطق الممتدة من فلاوي شمالاً وحتى شمسطار جنوباً أكثر من شهر، وتبرّر مؤسسة مياه البقاع أسباب الانقطاع بالتعديات على المآخذ عند رأس الشلال، بقصد دفع المياه إلى الارتداد نحو الأراضي الزراعية، يوضح مصدر في المؤسسة لـ«الأخبار»، إذ يكشف أن السبب الأساسي لانقطاع مياه الشفة عن المنطقة يعود إلى ري الحشيشة وغيرها من المزروعات، وذلك عبر التعدي على مصدر المياه عند رأس الشلال، من «مجموعة» منظّمة رئيسها هو ح.ش. وتقطع المياه عن القرى ومن ثم توزّعها عبر أكثر من 20 طاقة (فتحة)، لتتقاضى 100 دولار على كل ساعة من المد بالمياه، وترتفع التغذية للذي «يدفع أكثر».

عجز عن نزع التعديات!

وأكد المدير العام لمؤسسة مياه البقاع عباس الموسوي في اتصال مع «الأخبار» أن انقطاع المياه سببه جملة عوامل، منها شح المياه هذا العام بسبب قلة المتساقطات، بالإضافة إلى التعديات المتواصلة على مآخذ و«سكور» رأس الشلال الذي يغطي المنطقة، مشيراً إلى عجز موظفي المؤسسة عن ضبط التعدي وتأمين التوزيع العادل بين القرى، وتابع الموسوي قائلاً: «التعديات تحصل قرابة منتصف الليل، بغية ارتداد المياه للاستفادة منها في عمليات الري، ومن أجل ردع التعديات، طلبنا من السلطات الأمنية تولي المسألة، وقررنا تكليف الدرك ضبط الأمر، لكننا فوجئنا بالرفض، فاجتمعنا مع رؤساء بلديات منطقة غربي بعلبك في مبنى بلدية شمسطار، وركزنا على تكليف الجيش لقدرته على حل المشكلة، ولكن عملياً لم نصل حتى اليوم إلى أي نتيجة». وأضاف: «إننا سنتابع مع القوى الأمنية والقوى الفاعلة على الأرض من أجل حل المشكلة».
بدوره رأى رئيس بلدية شمسطار فاضل الحاج حسن أن مصدر المياه قد تضاءل، وسوء توزيع الحصص المائية للقرى سيئ، حيث تعطى الأولوية للري قبل مياه الشفة، وذلك منذ شهر، ما دفعنا إلى إجراء الاتصالات مع المسؤولين والمعنيين بالأمر، وطالب الحاج حسن رئيس الجمهورية ووزير الطاقة والمياه وجميع المسؤولين والفعاليات السياسية والحزبية «والعشائرية» السعي لحل المشكلة التي باتت تمثل معاناةً حقيقية للمواطن الذي أرهقته الفواتير والأعباء الجديدة، ولم يستبعد الحاج حسن نزول أهل المنطقة إلى الطرق للاعتصام تعبيراً عن عجزهم تأمين تكاليف فاتورة جديدة اسمها مياه الشرب وقيمتها 30 ألف ليرة كل يومين!».
أما رئيس بلدية فلاوي هاشم السبلاني فقد أشار إلى أن ندرة المياه دفعت كل شخص للحصول على المياه، الأمر الذي سيسبب المشكلات، وأمل أن تُثار المسألة مع القوى الفاعلة في المنطقة من أجل حلها.

نواب لا يكترثون!

الأزمة لامست الشهر ولا من حلول تنقذ أبناء شمسطار وطاريا والنبي رشادة ومزارع بيت مشيك وكفردان وجبعا وحدث بعلبك، من فاتورة صيفية «لم تكن بالحسبان»، شبيهة إلى حد كبير «بفاتورة مازوت الشتاء»، وبعدما أيقن هؤلاء عدم جدوى الوعود التي تطلق منذ شهر، قرر أبناء قرى غربي بعلبك الاعتصام قريباً من أجل رفع الصوت عالياً بسبب المعاناة التي يمرون بها.
فقد حمّل إيهاب النجار باستياء عارم «مسؤولية انقطاع المياه طوال هذه المدة إلى نواب المنطقة، لعدم اكتراثهم بالموضوع من أوله»، وأكد أن المياه تستثمر وتباع بمئة دولار للساعة الواحدة من التغذية لمصلحة ري المزروعات الممنوعة وغير الممنوعة، وذلك على حسابنا»، ولفت إلى أن مؤسسة مياه البقاع على علم بالتعديات، فلماذا لا يجري التعامل معها بالإيعاز للقوى الأمنية معالجة الأمر؟ وبحسابات بسيطة، تمكن النجار من الوصول إلى نتيجة أن بلدة شمسطار تدفع شهرياً ما يقارب 52 مليون ليرة لقاء شراء مياه من الصهاريج السبعة الموجودة في البلدة، على أساس سعر الصهريج 25 ألف ليرة لبنانية.
بدوره، قال عضو قضاء بعلبك الهرمل في التيار الوطني الحر نواف ملحم إن سبب الانقطاع يعود إلى «بيع المياه لمصلحة الحشيشة دون النظر إلى الآثار الكارثية والأعباء المترتبة يومياً علينا»، ودعا السلطة والفاعلين في المنطقة إلى تدارك تداعيات المشكلة، ولفت إلى أن مخاتير شمسطار وفعالياتها تداعوا لتقديم شكوى اليوم إلى حزب الله للمساعدة في تأمين مياه الشفة، وتساءل ملحم عما يقال بأن المياه خفيفة وغير كافية للمنطقة قائلاً: «لماذا تعاود المياه وصولها إلى قرانا عند بدء شهر أيلول وقبل هطول الأمطار؟ وهل المطلوب مساعدتنا أم فرض 100 دولار شهرياً لقاء مياه الشرب؟». وختم بالقول: «نحن لا نريد قطع رزق أحد، بل نريد أن نشرب فقط!».