القرداحة | "كيف وصلوا إلى القرداحة؟"، جملة تردّد صداها في أرجاء البلدة، ومدينة اللاذقية كلها. حالة من السخط والفوضى سادت أجواء المدينة الساحلية، إثر انفجار سيارة في مرأب مستشفى القرداحة، أدى إلى استشهاد 5 مواطنين، وجرح 3 آخرين، إضافة إلى أضرار مادية في مبنى المستشفى والسيارة المركونة أمامها.
وعلى الرغم من التساؤلات التي خيّمت على الأهالي حول حقيقة الحدث الأليم، إن كان مصدره صاروخاً من قرية غمام أو حقاً هو تفجير إرهابي، فإن الصفحات المعارضة تحدثت عن الانتحاري المدعو "أبو خالد عبد المعين الحريري"، المقرّب من "جبهة النصرة"، والذي كان يقود السيارة المفخخة، ليصل إلى مرأب المستشفى. مصدر أمني شرح لـ"الأخبار" أن سيارة مسرعة دخلت البلدة بهيئة إسعافية، يضغط سائقها على بوق السيارة من دون توقف، ووصلت إلى المستشفى. وبحسب المصدر، لم تدخل السيارة ومن في داخلها إلى مدخل المبنى، بل انفجرت في المرأب. العثور على أشلاء غير عائدة إلى شهداء التفجير، بحسب المصدر ذاته، يشير إلى كونها تعود إلى جثة انتحاري.
التوجه إلى المستشفى، الواقع خارج بلدة القرداحة، غير محمود العواقب، وسط تشديد أمني دقيق على جميع الحواجز العسكرية، من اللاذقية وإليها. وكذلك الوصول إلى المبنى الأنيق يتطلب الابتعاد عن البلدة مسافة 2 كلم، إلى الشمال الشرقي منها، ليلوح المستشفى، من بعيد، بمساحته التي تصل إلى 35 ألف متر مربع، فيبدو كما لو كان إعلاناً للموت القادم، بدلاً من دوره المرسوم له في العلاج والاستشفاء. مشهد الأضرار المادية بقي مقصد عدد قليل من المواطنين حتى ساعات المساء للتأمل في ما جرى. ملامح الغضب بدت بوضوح على وجوه السكان، تجاه السيارات الغريبة عن المنطقة. تخريب في بعض أجزاء المبنى الضخم، وآثار حرائق على الجدران وفي باحة المستشفى والسيارات الموجودة ضمنها. الانفجار دمّر مرأب المستشفى الواقع إلى الشمال منها. أما خسارة المستشفى بعض موظفيها بين الشهداء والجرحى فقد مثّل نكبة حقيقية في نفوس العاملين. بقايا الأشلاء البشرية تناثرت في المكان، ودماء المصابين والشهداء انعكست على وجوه الحاضرين، وبدت قاتمة مع غياب الشمس. أحد العاملين في المستشفى قال لـ"الأخبار": "من قابلناهم عند بدء الدوام الرسمي، وشاركناهم في التوقيع على دفتر الدوام، انهمكنا في إسعافهم قبل موعد انتهاء الدوام". ويضيف: "فكرة أن يكون القتلة بيننا، مثيرة للريبة. كيف وصل القاتل إلى المستشفى؟ وكيف تم تفخيخ السيارة؟ وماذا عن التفتيش على الحواجز المحيطة؟". تساؤلات الأهالي لا تنتهي.
الحياة في بلدة القرداحة لم تتأثر كثيراً بالحدث، إذ لم تغلق المحالّ التجارية أبوابها حتى المساء، موعد التقنين الكهربائي، الذي يغرق البلدة الجبلية في ظلام دامس. ورغم توالي سقوط الصواريخ بين الحين والآخر، إلا أنك يمكن أن تلمح أطفالاً يلعبون أمام بيوتهم المتواضعة، غير معنيين بأخبار التفجيرات والعنف المحيط بالبلاد.
وعلى طول الأوتوستراد الدولي بين القرداحة واللاذقية، اصطفت السيارات على مدّ النظر لساعات طويلة، بهدف الخضوع لتفتيش دقيق قبيل الوصول إلى مدخل المدينة. التفجير احتل أحاديث سكان اللاذقية داخل المقاهي وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. فوضى وسخط واضحان سادا أجواء المدينة، في الوقت الذي شددت فيه مصادر أهلية من القرداحة لـ"الأخبار" على ضرورة الحفاظ على الهدوء ريثما تلملم البلدة أحزانها، مع تشييع شهدائها صباح أمس.
يذكر أن بلدة القرداحة، مسقط رأس الرئيس الراحل حافظ الأسد، التي تبعد عن مدينة اللاذقية مسافة 50 كلم شرقاً، تتعرض بين وقت وآخر لسقوط صواريخ يطلقها مسلحو "جبهة النصرة" المتمركزون في جبل التركمان القريب من المنطقة. وتفصل البلدة الجبلية عن مواقع المسلحين في ريف اللاذقية مسافة لا تتجاوز 41 كلم شمالاً.