محمد زبيبعندما طرح وزير الطاقة والمياه ألان طابوريان اقتراحاً يرمي إلى تضمين البيان الوزاري تعهداً بزيادة التغذية الكهربائية إلى 24 ساعة يومياً، بالتزامن مع إعادة النظر في التعرفة والاستثمار في زيادة الإنتاج بما يلبّي مجمل الطلب، انتفض رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وردّ بنبرة غاضبة «هل تريد أن تزيد العجز المالي بقيمة 3 مليارات دولار... أنا لا أريد ذلك، ولن أسمح بحصوله».
انتهى السجال عند هذا الحدّ، إلا أن الاقتراح، كما الردّ عليه، اختصرا المأزق الذي تواجهه الحكومة ـــ أي حكومة ـــ في ملف الكهرباء:
ـــ الحكومة قررت منذ سنوات طويلة اعتماد تعرفة ثابتة ومدعومة، يستفيد منها كل المشتركين بمعزل عن مستوى معيشتهم وحجم استهلاكهم وقيمة مداخيلهم.
ـــ وهذه التعرفة حُدّدت على أساس سعر 25 دولاراً لبرميل النفط، الذي ارتفع منذ عام 2003 حتى الآن، بمعدّل 5.5 أضعاف، وهناك ترجيحات جدّية باستمرار ارتفاعه من دون أي سقف.
ـــ وتترتب على ارتفاع سعر النفط العالمي عجوزات هائلة في مالية مؤسسة كهرباء لبنان (90 % من العجوزات سببها ارتفاع سعر النفط)، ما يضطر الخزينة العامّة لسدّها من جيوب المواطنين المكلّفين بالضريبة، وتزعم الحكومة أنها موّلت مستوردات المؤسسة من المحروقات التي تحتاج إليها بمبلغ 1200 مليون دولار في السنة الماضية (علماً بأن الرقم الحقيقي يتراوح بين 800 مليون و900 مليون دولار، وهذا التصحيح لا يقلل من فداحة الكلفة أبداً).
ـــ هذا النزف المالي الخطير دفع الحكومة إلى فرض التقنين القسري للكهرباء، عبر اعتماد «التدمير الممنهج» لقدرات المؤسسة وبناها التحتية وقواها البشرية، لتبرير خطة الخصخصة حلاً وحيداً لا بد منه، وعبر وقف كل أشكال الاستثمار في زيادة الطاقة الإنتاجية، بما يواكب زيادة الطلب (العجز الحالي يقدّر بحوالى 500 ميغاواط ويحتاج لبنان إلى 1000 ميغاواط إضافية لتغطية الطلب بحلول عام 2012)، وأخيراً عبر التحكّم بفتح الاعتمادات المستندية لاستيراد الفيول أويل والمازوت، إذ إن نصف معدل التقنين سببه حالة النقص الدائمة في مخزونات المؤسسة من الوقود الذي تحتاج إليه لتشغيل المعامل (الأمر الذي يضطرها إلى إيقاف بعض مجموعات الإنتاج في إطار برامجها الاضطرارية لإدارة المخزونات وإطالة أمدها منعاً للتعتيم التام)، فيما النصف الثاني من التقنين سببه الضعف التقني وقلّة الصيانة وعدم كفاءة الشبكة (15% من الطاقة الموزّعة تهدر في خلال عملية نقلها) والاختلال الفاضح بين القدرات الإنتاجية والطلب الاستهلاكي.
ـــ ولتغطية السلوك الرسمي التدميري، عمد البعض إلى تكبير الآثار المترتبة على توسّع ظاهرة سرقة التيار الكهربائي (30% من الطاقة الموزّعة حالياً مسروقة أو غير مفوترة بفعل قرار سياسي ضمني يشمل كل المناطق من دون استثناء)، إلا أن دراسة البنك الدولي الأخيرة بيّنت بوضوح أن تحقيق جباية 100% لا يزيد إيرادات المؤسسة إلا بقيمة 150 مليون دولار على أساس التعرفة الحالية، ما يعني أن النزف سيستمر.
ـــ وقد دعمت هذه الدراسة موقف البعض الداعي إلى زيادة التعرفة على المشتركين، وهو ما تتبناه الحكومة الحالية، إلا أن الدراسة نفسها (ومواقف الوزراء المعنيين) خلصت إلى أن إجراءً من هذا النوع سيؤدي إلى المزيد من الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي السياسية، إلا إذا اقترن ببرامج تعويضية للفئات الضعيفة التي لن تتحمّل أبداً عبء زيادة التعرفة.
ـــ فالتعرفة الحالية، وعلى الرغم من أنها ثابتة ومدعومة، فإنها أعلى بمرتين على الأقل من أدنى تعرفة في المنطقة، كما أن سياسة التدمير المنهجي أدّت إلى تراجع القدرات الإنتاجية، بالمقارنة مع الطلب إلى درجة لم تعد تغطّي فعلياً إلا أقل من 20 ساعة تغذية يومياً إذا شُغّلت كل القدرات المتاحة حالياً، ووُزّعت الطاقة المنتجة بصورة عادلة، أي إن التقنين الكهربائي سيتواصل إلى حين بناء قدرات جديدة، وهذا غير ممكن قبل سنوات عدّة.
ـــ وبسبب ذلك، فإن اللبنانيين مضطرون إلى تأمين مصادر بديلة للطاقة الكهربائية، ويبلغ معدّل الاشتراك في مولّد خاص ما بين 50 و75 دولاراً شهرياً لكل 5 أمبير، وبحسب الدراسة المذكورة، فإن ذلك يرتب أكثر من 25% من النفقات الإضافية على ميزانيات الأسر التي خسرت أصلاً أكثر من 75% من قدراتها الشرائية منذ عام 1996 بفعل السياسات المعتمدة!
ـــ وأخيراً، وليس آخراً فإن الإصرار على الخصخصة أو إشراك القطاع الخاص لتأمين التغذية على مدار ساعات اليوم (كمقدمة إلزامية لزيادة التعرفة) سيؤدّي بحسب الدراسة، المذكورة أعلاه، إلى زيادة كلفة إنتاج الطاقة ما بين 1.6 و3 سنتات لكل كيلوواط ساعة، وهذا الخيار لن يوقف النزف المالي ما دام الوضع على ما هو عليه، بل قد يؤدي إلى نزف إضافي باعتبار أن الدولة ستكون الزبون الوحيد للقطاع الخاص الساعي إلى الربح على الطريقة اللبنانية، أو قد يؤدّي إلى كارثة اجتماعية، لأن الكهرباء ليست كالخلوي أبداً.