على الرغم من تساهل البلديات والقوى الأمنية في إنجاز رخص البناء بسبب غياب عمليات الضم والفرز للأراضي في بعلبك - الهرمل، تشهد المنطقة تراجعاً كبيراً في حركة البناء بنسبة تخطّت الـ55 في المئة
البقاع ــ رامح حميّة
تتراجع حركة البناء في بعلبك ـــــ الهرمل بسبب عوامل عديدة، في مقدّمها ارتفاع أكلاف مواد البناء وغياب السيولة في أيدي المواطنين الذين ضربت مواسمهم الزراعية، فضلاً عن زيادة أجور العمال السوريين. هذه العوامل وقفت حائلاً أمام البقاعي الذي يحاول جاهداً «بشقّ النفس» ودعم القروض المصرفية، تشييد منزل متواضع قد لا تتجاوز مساحته الـ120 متراً مربعاً، فيما بقيت تحويلات المغتربين حاضرة بقوة في حركة البناء وزيادة نسبتها المتهاوية.
ويعدّ ارتفاع أكلاف مواد البناء السبب الأساسي في التراجع الحاصل، حيث وصلت نسبة الزيادة إلى الـ45 في المئة في ما يتعلق بأسعار الحديد والمواد الأخرى من الرمل والبحص، ما دفع الناس الى الاستغناء عن تشييد المنازل والاكتفاء حالياً بالإيجار حتى «يفرجها الله». صاحب شركة الأحمدية لتجارة مواد البناء غسان الحاج أحمد أكد ﻟـ«الأخبار» أن أسعار مواد البناء اختلفت كثيراً عما كانت عليه في العام الماضي، «فسعر الحديد ارتفع بنسبة 45 في المئة. وبعدما كان سعره 800 دولار أصبح اليوم 1500 دولار، والترابة أيضاً ارتفع سعرها بسبب كلفة الإنتاج في الشركات، وغلاء كلفة النقل»، ويقول الحاج أحمد: «إن الارتفاع الجنوني في أسعار النفط العالمية وتأثيرها على جميع مواد البناء، وتزامن ذلك مع قلة الإنتاج المحلي ومشاكل المزارعين وكساد مواسمهم وضعف السيولة في أيدي الناس، أدى إلى تراجع حركة البناء في المنطقة بشكل ملحوظ». ورجح الحاج أحمد أن تتفاقم الأزمة وخاصة أن سعر برميل النفط في تصاعد مستمر، فيما يتعرض المزارعون البقاعيون إلى خسائر فادحة في محاصيل البطاطا والخضار والدواجن، تتزامن مع غياب الدعم والمساعدة من الجهات الرسمية!». ولفت إلى أنه سمح بالدَّين في بعض الأحيان، لكنه تعرّض من جرّاء ذلك إلى «خسائر نتيجة الشيكات المرتجعة».

تراجع كارثي

متعهّدو ورش البناء الذين امتهنوا هذه المصلحة رأوا أن التراجع الحاصل في مشاريع البناء «كارثة» بالنسبة إليهم، وخاصةً أنها تعدّ مصدر رزقهم الموسمي الذي ينتظرونه من عام إلى آخر، ورأى متعهد البناء أبو حسين: «أن ارتفاع أسعار مواد البناء يسبب ركوداً في حركة البناء في بعلبك ـــــ الهرمل، وينعكس ذلك على مهنتنا التي هي مورد رزقنا الأساسي الذي نعتمد عليه سنوياً». وأشار أبو حسين إلى أنه بين شهري آذار وتشرين الثاني من العام الماضي أنجز ما يقارب الأربع عشرة ورشة بناء، بينما أنهى فقط أربع ورش منذ شهر آذار وحتى نهاية حزيران من العام الجاري وبانتظاره اثنتان فقط، وبكلفة 27 دولاراً للمتر المكعب الواحد بدلاً من 20 دولاراً، وأضاف قائلاً «بغض النظر عن عملي، الناس لها الحق في الابتعاد عن تشييد المنازل، لأن تفكيرهم ينحصر حالياً بكيفية تأمين حطب للتدفئة خلال فصل الشتاء»، إضافة إلى بدء العمل على «المونة الشتوية».
بدوره، صاحب جبّالة «لصبّ الباطون» في البقاع الأوسط، جهاد عبد الله، أوضح ﻟـ«الأخبار» أن تراجعاً كبيراً في حركة البناء يشهدها البقاع حالياً بالمقارنة مع العام الماضي وبنسبة وصلت إلى 55 في المئة، فيما سجلت أسعار الشقق في العاصمة بيروت والتي كانت تعدّ المفرّ من البناء في البقاع، ارتفاعاً كبيراً بنسبة 100 في المئة، الأمر الذي زاد الطلب على الإيجار»، ويشير عبد الله إلى أنه في العام الماضي كانوا يصبّون أكثر من أربعين صبة في الشهر الواحد، إلا أنهم لم يصبّوا منذ بدء موسم الربيع «أكثر من 15 صبّة سطح فقط». وأضاف إن التراجع طال أيضاً نسب الأرباح في عمله بالنظر إلى غلاء المازوت وأجرة العمال السوريين والعدة المستخدمة (دواليب وبنزين للبيك آب ومتطلبات أخرى...) وقال: «لا أستطيع الزيادة بالأسعار بشكل كبير خلال المرحلة الحالية لأن اليد العاملة السورية تنافس العمال اللبنانيين في البقاع وتسارع إلى أخذ الورش بأسعار أقل، وخاصةً أن شريكاً بالمناصفة أصبح له أسهم من أرباحنا وهو المازوت!».

تراجع رخص البناء

رخص البناء من البلديات تراجعت بنسب فاقت الـ55 في المئة، وذلك بعدما حققت خلال عام 2007 نسباً عالية تجاوزت في كثير من البلديات 80 رخصة، فيما تجمّد رصيد العام الجاري عند أقل من 35 رخصة. فقد أوضح حسين دياب صاحب مكتب عقاري «أن التراجع يظهر في عدد الرخص التي تم الاستحصال عليها أو حتى المطلوبة. ففي شمسطار مثلاً، بلغ عددها لهذا العام 31 رخصة، أما العام الماصي فقد وصل عددها إلى 86 رخصة». ولفت دياب إلى أن مشكلة الضمّ والفرز في المنطقة تشكل عائقاً في الحصول على قروض للمواطن العادي، وحتى في وجه المستثمر الذي يحاول سد هذه الثغرة بإقامة مشاريع سكنية لبيعها (الحاجة إلى سندات تمليك) وإلا فالسعي إلى تأجيرها». وأكد أن من يقدم على خطوة البناء حالياً في غالبيتهم هم لبنانيون مغتربون، أو مواطنون اعتمدوا على قروض مصرفية لأكثر من موظف في العائلة الواحدة.
وأمام هذا الواقع، يقف المواطن البقاعي بانتظار «أن يفرجها الله وحده»، في ظل غياب الدولة حالياً عن أمور مواطنيها، وبالطبع يبقى الإيجار هو البديل المتوافر لأبناء المنطقة، الذي بدأ يشهد ارتفاعاً أيضاً في أسعاره بعد كثرة الطلب عليه.