وائل عبد الفتاحمات يوسف شاهين وحصل ممدوح إسماعيل على البراءة. خبران تداولتهما مصر أول من أمس. كلاهما، الموت وبراءة رمز من رموز الفساد تسبّب في مقتل أكثر من ١٠٠٠ مصري في كارثة العبارة، مثّلا بالنسبة إلى المصريين صدمة كبيرة.
صدمة ممدوح إسماعيل لم تكن متوقعة حتى بالنسبة إلى أكثر الناس تشاؤماً. أولاً لأن العبّارة واحدة من أكبر القضايا التي هزت الرأي العام المصري بسبب ضخامة أعداد ضحاياها، وثانياً لأن صاحبها صيد ثمين من مجموعة الحيتان أو الديناصورات أو الوحوش، وهي توصيفات تحاول الربط بين حجم وضخامة الشخص الموجود في ملعب الفساد الذي ينعم فيه بالثروات والحماية.
الحكم ببراءة إسماعيل سبّب هستيريا بالنسبة إلى أهالي الضحايا الذين ظلوا يصرخون في قاعة محكمة الغردقة، يلعنون الظلم وينتحبون على ضحايا الفساد. «حسبنا اللّه ونعم الوكيل». هكذا صرخ الأهالي، وسألوا: «من يحمي ممدوح اسماعيل؟».
حكم البراءة عاد بالأذهان إلى الوراء، حيث الحكايات التي انتشرت أسرع من الصوت، بعد ساعات من الحادث (٢٠٠٦)، عن العلاقة بين رئيس ديوان رئيس الجمهورية زكريا عزمي، وصاحب الشركة التي تدير العبارة «السلام 98»، ممدوح إسماعيل. تجاوز الكلام جلسات النميمة أو تفريغ شحنات الغضب ووصل إلى الصحف، التي تساءلت بشكل مباشر: هل صحيح أن زكريا شريك إسماعيل؟.
لم تتركز الأسئلة على عمل رئيس الديوان. إلاّ أنها أعربت عن خوف حقيقي من حماية ممدوح إسماعيل، نتيجة لقوة العلاقة ونفوذها. الأسئلة كانت تبحث أيضاً عن شخص أكبر من إسماعيل. أحد كبار حاشية الرئيس، قادر على تحمّل مسؤولية ضياع أرواح 1000 شخص، غرقت أجسادهم وأحلامهم في بحر الفساد، و400 ضحية أخرى عادوا إلى الحياة بمشاعر تحتاج إلى علاج سنوات طويلة. لم يكن هناك شك في أن الكارثة من صنع الأقدار الطبيعية، فهي من منتجات مصانع الفساد التي تحكم وتتحكّم في مصر الآن.
ومع غرق العبّارة، تجاوز الفساد فكرة النهب إلى حصد الأرواح، وتهديد حياة كل مصري. إشارة استغاثة العبّارة لم تصل إلى المسؤولين، لا في ميناء سفاجة ولا في الشركة. فباعثو هذه الإشارات ناموا تحت أغطية اللامبالاة والإهمال، وعدم احترام حياة الإنسان، وخصوصاً إذا كان المواطن فقيراً، مضطراً إلى السفر على عبّارة غير صالحة. والأهم هو إعلان الشركة المكتوب على تذكرة السفر، «نحن غير مسؤولين عن سلامة الركاب». بمعنى آخر، هي تذكرة سفر إلى الموت.
لم تصل إشارة الاستغاثة. كانت بدلاً منها صرخة تحذير جارحة: الفساد تحوّل إلى قاتل جماعي. هذه مسؤولية لا يمكن أن يتحملها ممدوح إسماعيل وحده. فموظف القطاع العام تحوّل في سنوات قليلة إلى إمبراطور لامع في كوارث البحار. ففي أقل من 3 شهور، غرقت عبّارتان من بين 18 عبّارة تديرها شركته، وبات أميناً للحزب الوطني في مصر الجديدة، وعضو مجلس شورى بالتعيين.
التعيين؟ أي أن الرئيس اختاره ضمن مجموعة من نخبة فريدة، وبترشيح جهات مقربة منه. وممدوح إسماعيل ليس الأول في لائحة المعيّنين المتورطين في قضايا استغلال النفوذ. فالنائبة السابقة هدى رزقانة كانت أحد هذه الأسماء.
منصب إسماعيل في الحزب الوطني كان مختاراً من رئيس الحزب أي حسني مبارك، فليس هناك انتخابات في أي مستوى من تشكيلات الحزب الوطني. وهنا كانت الأسئلة الهامة عن رحلة صعوده، حتى صار من شطّار ومغامري «البيزنس» في مصر منذ 25 عاماً، يبحث عن حماية الحزب الحاكم، وحصانة البرلمان.
وفي الطريق إلى الحماية والحصانة، لا بد من كبير يقدّم الفرص ويمهّد طريق الصعود السريع. هذا ما جعل اسم زكريا عزمي ينتشر قبل وأكثر من ممدوح إسماعيل نفسه.
عزمي اعترف في الصحافة وقتها بأنه «صديق» وليس «شريكاً». هذا اعتراف مذهل ومهم. ويشير إلى ظاهرة السنوات الأخيرة في مصر: فساد أصدقاء الكبار. يحتمي «شطّار البيزنس» بالعلاقة مع كبير مقرّب من أعلى مراكز السلطة.
هل يعرف الكبير حجم استخدام العلاقة معه في تمرير صفقات وتسهيلات لم يكن من الممكن أن تحصل من دونها؟ إلى أي حد يتورط الكبير فى فساد شلة الأصدقاء؟ الأسئلة خطيرة لأن قضايا الفساد التي اتهم فيها أصدقاء الكبار تتضخم وتمتد من حيتان المقاولات إلى تجارة الآثار ونهب المصارف. وأخيراً، كوارث القتل الجماعي.
وفي كل مرة، يظهر اسم واحد من الكبار. يظهر ويختفي. وتمتد حماية الكبار إلى المحاكم. والانطباع العمومي أن هذا ما حدث مع ممدوح إسماعيل. ويربط البعض بين هذا الحكم وحكم البراءة الذي حصل عليه رجل الأعمال في الحزب الحاكم، هاني سرور، في قضية الدم الملوث.
من الناحية القانونية، أعلن النائب العام بعد ساعات قليلة، عن الطعن بالاستئناف على الحكم. وربما كانت سرعة القرار جزءاً من التهدئة السياسية. إلّا أن قنبلة اليأس انفجرت، وأنعشت الشعور بأن مؤسسة الفساد أقوى من أي مؤسسة أخرى. وهي علامة الخطر على النظام نفسه هذه المرة.