لم يعد للحديث عن الحوار الفلسطيني طعم. بات مساره معروفاً؛ مبادرة فزخم، ينتهيان غالباً على أعتاب المماطلة الداخلية والمعارضة الخارجية وخلاف الأولويات. الحديث المستجدّ عن الحوار لا يخرج عن هذه المسلّمات، التي بدأت تطلّ برأسها
حسام كنفاني

لا تلقي الأوساط الفلسطينية المتابعة بالاً لدعوة الحوار الجديدة التي أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس من القاهرة يوم الأحد الماضي. دعوة من الممكن اعتبارها «جزءاً ثانياً» للمبادرة التي أطلقها في حزيران الماضي وغرقت في دوامة المماطلة والفشل.
لا شيء عمليّاً تغيّر بين دعوة حزيران و«جزئها الثاني»، بل على العكس تماماً فإن الأمور اتجهت نحو مزيد من التعقيدات مع عودة التوتر الأمني والسياسي بين الحركتين المتصارعتين على الحكم في الأراضي الفلسطينية (المحتلة والمحررة).
ويكفي استعادة مسار الدعوة الأولى لتوقّع مصير نظيرتها الصادرة حديثاً، ولا سيما أن بوادر المماطلة بدأت بالظهور من اليوم الثاني لإطلاقها. عباس أعلن الأحد أن القاهرة، التي من المفترض أن تستضيف الجولة الحوارية، ستبدأ بتوزيع الدعوات اعتباراً من يوم الاثنين (أي أول من أمس). إلا أن أي دعوة لم توجه إلى أي فصيل، وعادت عبارة «خلال أيام» للظهور في تصريحات المسؤولين الفلسطينيين في حديثهم عن الحوار.
ومن الممكن تذكّر اليوم الأول للإعلان عن مؤتمر حواري في القاهرة، وهو يوم يسبق المؤتمر الصحافي لعباس في القاهرة بعد القمّة المصرية ـــــ الفلسطينية بنحو شهر، وتحديداً في الثالث من تموز الجاري. حينها خرج السفير الفلسطيني في العاصمة المصرية، نبيل عمرو، ليعلن حرفياً أن «مصر ستوجه قريباً الدعوات لأربعة عشر فصيلاً فلسطينياً لإجراء حوار مضغوط في القاهرة لوضع الآليات لتطبيق مبادرة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للمصالحة الوطنية الفلسطينية». لا يختلف تصريح عمرو عما أعلنته مصادر فلسطينية، أول من أمس، بل تكاد تتطابق في المضمون. و«قريباً» قد تبقى ضمن هذا المعنى من دون تحديد موعد صريح لأي حوار، ما دام الخلاف ليس على مضمون الحوار فقط، بل إن شكله اليوم هو أساس العرقلة التي قد تمنع انعقاده. ولم يعد خافياً أن «حماس» تضع ما يشبه «الفيتو» على أي اجتماع حواري شامل لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وحجتها في ذلك أن الخلاف الأساسي هو مع حركة «فتح»، التي تحاول بدورها إقحام فصائل المنظمة في خانة منافسي الحركة الإسلامية. إلا أن فصائل المنظمة تنظر إلى الأمر من وجهة ثانية، إذ ترى أن السبب الرئيس في حال الانقسام الفلسطيني هو نظام المحاصصة والثنائية التي أفرزها اتفاق مكة في شباط قبل الماضي، الذي قسّم السلطة بين «فتح» و«حماس» من دون أي اعتبار للفصائل الأخرى.
ورغم صوابية هذا التحليل، إلا أنه لا يبدو أن عباس يستند إليه في حرصه على إشراك الفصائل في الحوار. فمن الواضح أن عبّاس الضعيف داخلياً وخارجياً، بعد سقوط غالبية خياراته السلمية والأمنية، يسعى إلى الاحتماء بفصائل المنظمة، باعتبارها الحصن الأخير لسلطته بما إنها «الممثل الشرعي والوحيد» للشعب الفلسطيني.
الجديد في هذا الشق من الخلاف الفلسطيني، هو دخول أطراف عربية على خطه. وتؤكّد مصادر مطلعة أن القاهرة تصرّ على «مؤتمر حوار جماعي» يشكّل أساساً للخروج من حال الانقسام. في المقابل، فإن دمشق، بحسب المصادر نفسها، أبلغت في الفترة الأخيرة بعض فصائل منظمة التحرير، التي تتخذ من العاصمة السوريّة مقرّاً لها، أنها تفضّل حواراً ثنائياً بين «فتح» و«حماس»، تنضمّ إليه لاحقاً فصائل المنظمة.
الشكل اليوم عقدة الخلاف، الذي تجاوز الداخل الفلسطيني. وتخطّيه سيفتح الباب أمام خلاف البرنامج وجدول الأعمال، ليبقى موعد الحوار «قريباً».