strong>قد تكون هذه المرة الثانية التي يخوض فيها وزير المواصلات الإسرائيلي شاؤول موفاز صراعاً لرئاسة حزب. الأولى كانت في «الليكود» وانتهت بفشل، والثانية اليوم في «كديما» ولا يبدو أن نهايتها قد تكون أفضل لهذا العسكري الإيراني الأصل الطامح إلى رئاسة الحكومة
حيفا ــ فراس خطيب
عندما انشقّ رئيس الحكومة السابق أرييل شارون عن حزب «الليكود» معلناً تأسيس «كديما» في تشرين الثاني 2005، كان واضحاً أنَّ وزير دفاعه في ذلك الحين، شاؤول موفاز، سيترك كل شيء ويلحق بزعيمه الآتي به من حقول المعارك إلى طاولة الحكومة. لكن موفاز، وخلافاً للتوقعات، لم يفعل، وفضّل البقاء في «بيته»، وطرح نفسه مرشحاً غير مؤكد لرئاسة «الليكود» قبالة بنيامين نتنياهو، بدلاً من أن يكون وزيراً مؤكّداً للدفاع في حكومة شارون المستقبلية.
خاض موفاز معركة يائسة أمام نتنياهو، الذي تمتع بشعبية كبيرة في صفوف من بقي في «الليكود». حاول محاربة نتنياهو، تنقّل من مكان إلى آخر، ومن مقابلة إلى أخرى مسوّقاً خبرته العسكرية إلى جانب «اهتماماته الاجتماعية» ليكون رئيس حزب «شامل المواهب». وفي خضم حملته الانتخابية عام 2005، وفي البرنامج الحواري الذي يقدمه يئير لابيد (نجل يوسف لابيد)، بكى موفاز عندما سئل عن والده المتوفّى: «هذه نقطة حساسة عندي». لكن الدموع لم تمنحه صورة «اجتماعية» و«إنسانية»، بل منحته نجومية في البرامج الكوميدية، التي حوّلته إلى مادة للسخرية.
الحملة الانتخابية لم تثمر، والبكاء أيضاً لم يسعفه في استطلاعات الرأي. وقبل أيام من إجراء الانتخابات في «الليكود»، سحب موفاز ترشيحه، وأعلن انضمامه بخجل إلى «كديما»، بعد سلسلة من التصريحات الهجومية ضد شارون.
وصل موفاز في الوقت غير المناسب. لم يعارض أحد انضمامه، كان ضيفاً «لا يضر». ألّف مقربو شارون القائمة النهائية لحزب «كديما»، منح موفاز المكان الثامن فيها. وعندما سئلوا عن الحقيبة التي ستمنح له في حال نجاح «كديما» أجابوا: «لقد قال في حملته ضد نتنياهو إن اهتماماته مدنية اجتماعية، وهذا ما سيناله هنا».
هكذا بدأ موفاز حياته السياسية في حزب «كديما»، مقبلاً بعد موعده. كان شخصاً ثانوياً في حملة الحزب الجديد. منحه أولمرت حقيبة «المواصلات» وقبلها مع تحفظات سريّة، وصار محارباً لـ«حوادث السير». قائد هيئة الأركان السابق قبل واقعاً أصبح فيه رجل النقابات العمالية (الهستدروت)، عامير بيرتس وزيراً للدفاع. لكنَّ نتائج حرب لبنان الثانية المأساوية أعادت إليه قليلاً من الهيبة المفقودة، حين سوّق نفسه: «لو أنصتوا إلي، لما كانت نتائج الحرب هكذا».

جيمس بوند

فضيحة المليونير الأميركي موشيه تالنسكي رجّحت الانتخابات الإسرائيلية العامة. عاد موفاز اليوم عام 2008 ليطرح نفسه بقوة لرئاسة «كديما» ليكون مرشح الحزب لرئاسة الحكومة. استطلاعات الرأي تمنحه المكان الثاني بعد وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، بفارق 14 في المئة. وخلافاً للانتخابات الداخلية في «الليكود»، عاد موفاز، من دون بكاء، لتسويق نفسه عسكرياً وصارماً وقياديّاً، مهاجماً ليفني: «ماذا فعلت تسيبي غير انها ألتقت بعض وزراء الخارجية».
تصريحاته جاءت قبل أن تنشر «صنداي تايمز» البريطانية أن ليفني كانت «مقاتلة» في «الموساد»، وشاركت في عمليات لاغتيال شخصيات فلسطينية، وقبل أن تنشر صحيفة «هآرتس» رسماً كاريكاتيرياً تظهر فيه ليفني ترتدي بدلة «جيمس بوند»، حاملة مسدساً موجّهاً إلى خصومها المرشحين لرئاسة «كديما»: موفاز ومئير شطريت وآفي ديختر، قائلة «الاسم ليفني، تسيبي ليفني» (على وزن الاسم بوند، جيمس بوند).
الإسرائيليون، كما في السابق، يفضّلون سياسياً يمتلك ماضياً عسكرياً. وموفاز يحمل ماضيه بين يديه ويجول في القرى والمدن. كان قائداً لهيئة الأركان الإسرائيلية بين 1998 و2002. قاد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، وكان العسكري الإسرائيلي الأول في انتفاضة الأقصى، ومجزرة مخيم جنين. عرف بيده الحديدية ضد الفلسطينيين ورفضه أي تسوية. وبعد أربعة أشهر من إنهائه خدمته العسكرية، في تموز 2002، أتى به شارون ليكون وزيراً للدفاع بعد استقالة بنيامين بن اليعزر وانسحاب «العمل» من الحكومة.
وعُدّ موفاز، إلى جانب شارون، من معززي سياسة اغتيال القادة الفلسطينيين التي أدَّت أيضاً إلى استشهاد مئات الأبرياء من المدنيين في أعقابها، ولا يزال الفلسطينيون يرون أنّه «مجرم حرب».
منع موفاز من ترشيح نفسه للكنيست الإسرائيلي عام 2003 ضمن حزب «الليكود» برئاسة شارون، لكونه لم يُنهِ الفترة اللازمة والفاصلة بين الجيش والكنيست. عندما نجح شارون، عيّنه مرة أخرى وزيراً للدفاع، إلى حين تأسيس «كديما»، ودخوله الكنيست في آذار عام 2006 للمرة الأولى ضمن قائمة برئاسة أولمرت.

إيران؟

في حال نجاح موفاز في الانتخابات الداخلية لحزب «كديما»، فإنّ ماضيه العسكري قد يكون «مثالياً» للإسرائيلي العادي. لكنّ المجتمع الإسرائيلي حتى هذه اللحظة غير جاهز لسياسي يهودي شرقي يتولى مهمات رئاسة الحكومة. لم تشهد الستين عاماً الماضية سابقة يشغل فيها شرقي رئاسة الحكومة. وموفاز ليس مجرد شرقي، بل هو من أصل إيراني. ولد في إيران، في عام النكبة 1948، وترعرع هناك وهاجر إلى إسرائيل عندما كان عمره 9 سنوات. عندما كان يدخل الولايات المتحدة، كان يتعرض لتفتيش مفصل، نتيجة أصوله. فهو شخصية بعيدة عن الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة، وبعيد عن المراسيم الرسمية. لا يتمتع بعلاقات مع النظام الأميركي مثل أولمرت وشارون وليفني ونتنياهو. لا يعرف رجال أعمال هناك ولا منظمات ولا جمعيات ولا «ايباك». وإذا خُيّر الأميركيون بينه وبين ليفني، فسيختارون بالطبع «من التقت بعض وزراء الخارجية».