هآرتس ـ موشيه آرنسيوفّر محمود أحمدي نجاد للسياسيين الإسرائيليين مادة كبيرة للاستخدام في الخطابات والتصريحات التي ليس في بعضها منفعة، وبعضها الآخر أحمق، والبعض الأخير مضرّ بكل صراحة ووضوح.
هذا لا يعني أن وجود السلاح النووي بيد النظام الإيراني لن يمثّل خطراً على إسرائيل. أحمدي نجاد ليس هتلر وإيران ليست ألمانيا النازية، إلا أن قوة الدمار التي يمثّلها السلاح النووي ضارة حتى لو وجد بيد دولة من العالم الثالث. الكلمات لن تبعد هذا الخطر عنا. كل ما يجب فعله يفضّل ألا يحدث علانية. المشكلة هي أن السياسيين الإسرائيليين يسقطون في إغراء الانشغال في هذه المسألة. فهي أمر أساسي بالنسبة إليهم يخدم أهدافهم السياسية الداخلية.
أوّلاً، يثار إمكان اندلاع الحرب مع إيران من جانب السياسيين الإسرائيليين خلال العامين الأخيرين كخطر وشيك، والأمر يستخدم ذريعة لعدم القيام بأية خطوة حيال الوضع على جبهة غزة. لماذا نقوم بإغراق أنفسنا في وحل غزة إن كان من الممكن في كل لحظة أن نجد أنفسنا في خضم الحرب الأكثر جدية في الشمال؟ هم يلمحون.
ثانياً، يقدّم التهديد الإيراني ذريعة ناجحة لإعادة هضبة الجولان إلى السوريين. ليس هناك شيء أهم اليوم من تشويش التحالف بين إيران وسوريا، حيث قد يقع السوريون في إغراء الابتعاد عن إيران في مقابل إعطائهم هضبة الجولان ــــ يصرّح بعض السياسيين عندنا ــــ إن اقتلاع 30 ألف إسرائيلي من منازلهم يبدو في نظرهم ثمناً متدنياً في مقابل مثل هذا الإنجاز. حتى لو تضررت العلاقات القوية القائمة اليوم بين إيران وسوريا ــــ الأمر الذي يبدو غير منطقي ــــ كيف يمكن لذلك أن يبعد الخطر النووي الإيراني عنا؟ هذه مسألة يتركونها لنا حتى نخمّنها.
ثالثاً، الآن بدأ الحديث عن أن الوقت ليس ملائماً لإجراء انتخابات، يُتذرع أيضاً بالتهديد الإيراني. رغم أن حكومة أولمرت فشلت فشلاً ذريعاً في قيادة الدولة خلال حرب لبنان الثانية، ولم تفعل أي شيء تقريباً للدفاع عن المدنيين في الجنوب، هناك من يدّعي حتى الآن أن من الواجب إتاحة المجال لها لمواصلة أداء مهماتها بسبب غيوم الحرب المتلبّدة في السماء مع إيران. هذا ليس الوقت الملائم لإجراء الانتخابات، حسبما يدّعي أنصار أولمرت، في وقت يمثُل الخطر الإيراني أمام أعيننا تماماً.
حتى هنا، قد لا تختلف التصريحات التي لا طائل منها بشأن إيران عن إطار بث الرعب الذي اعتاده الجمهور الإسرائيلي. ولكن التصريحات التي تصدر عن قيادتنا في شأن الحاجة الملحّة لإقدام الولايات المتحدة على شن عملية تبعد التهديد النووي الإيراني ضارّة تماماً، وخصوصاً عندما تصدر في الولايات المتحدة نفسها. هي ضارة للعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة لأنها تترك الانطباع بأن قادة إسرائيل يحاولون جر الولايات المتحدة إلى مغامرة عسكرية في إيران. جرت حتى الآن محاولات في الولايات المتحدة لإبراز إسرائيل كمسؤولة عن التدخل الأميركي في العراق. لذلك لا حاجة إلى إضافة شيء جديد على هذه الاتهامات.
إضافة إلى ذلك، ليست هناك أية جدوى من النداءات العلنية التي يوجهها قادة إسرائيل إلى الولايات المتحدة للتحرك بسرعة بصدد المشروع النووي الإيراني. القيادة الأميركية تعرف جيداً ما الذي يفعله الإيرانيون، وإن كانت هناك اختلافات في الرأي في هذه القضية بين الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية، فمن الأفضل جسر الهوة بينهما في السر. السلاح النووي الإيراني لا يمثّل خطراً على إسرائيل والشرق الأوسط فقط، بل على العالم كله، ولذلك هو خطر على مصالح الولايات المتحدة في السياق نفسه. إلا أن الأميركيين سيفعلون كل ما يخدم مصالح الولايات المتحدة بحسب وجهة نظرهم. لن يؤثر على قرارهم هذا أي ضغط من جانب السياسيين الإسرائيليين. ما نشر عن أن رئيس وزرائنا يزور واشنطن حتى يتبادل أطراف الحديث مع الرئيس الأميركي في شأن التهديد الإيراني قد يضر بمصالح الدولتين. هذا لا يخدم أي أحد ما عدا المصالح الداخلية للسياسيين، وهذا ليس دافعاً كافياً لإلحاق الضرر بمصالح إسرائيل البعيدة المدى. التهديد الذي يلوح لإسرائيل من وجود سلاح نووي في إيران واضحٌ تماماً. الاستعدادات والمشاورات الضرورية لمواجهة ذلك يجب أن تجري في السر. يبدو من شبه المؤكد أنه ليس هناك سبيل لمنع سياسيين من استغلال هذه القضية لأغراضهم، وخصوصاً إذا ما بقي نجاد مع التهديدات التي يطلقها ضد إسرائيل بين الحين والآخر مصدر إمداد لهم لهذه الفرصة. ولكن بالله عليكم اتركوا أميركا خارج هذه القضية.