هآرتس ـ آري شفيتلماذا التهدئة؟ لدى إيهود باراك إجابات غير بسيطة ولكنها واضحة. عندما ينظر إلى الواقع الشرق أوسطي من نافذة بيته في البرج العالي في تل أبيب، يرى بوضوح أن الوضع على حدود غزة يستوجب الحسم: اتفاق لتنظيم الأمور أو عملية عسكرية. على ما يبدو لن يكون هناك مفر من العملية في آخر المطاف. إسرائيل و«حماس» موجودتان على مسار التصادم. ولكن بما أن مترتبات العملية العسكرية قد تكون صعبة، كان لزاماً استنفاد كل إمكان آخر أوّلاً، وذلك حتى تعرف كل أم قد تفقد ابنها في أزقة غزة هذه الحقيقة مسبقاً، وحتى يعرف ذلك كل مواطن في غلاف غزة قد يتضرر خلال القتال ضد «حماس»، وحتى يعرف الرئيس حسني مبارك أن إسرائيل لم تتوجه نحو العملية العسكرية التي يخشاها المصريون قبل أن تعطي فرصة للعملية السياسية التي بادرت إليها القاهرة.
أيضاً بسبب الاعتبارات الإسرائيلية الداخلية، وكذلك بسبب الاعتبارات المصرية، كان واضحاً لباراك أنه كان على القيادة الإسرائيلية أن تجرّب وقف إطلاق النار قبل الشروع بإطلاق النار.
هل ستصمد التهدئة؟ احتمال ذلك منخفض جداً. هناك دائماً إمكان لحدوث خلل أو حادثة، ولكن الافتراض هو أن التهدئة ستنهار، ربما خلال أشهر أو أسابيع.
لكن حتى وإن حدث ذلك، فلن تخسر إسرائيل شيئاً باستجابتها للمبادرة المصرية. هي لم تعترف بـ«حماس»، ولم تسبّب نشوء واقع غير قابل للتغيير. هي حافظت على حرية التحرك في يهودا والسامرة، وربطت بين فتح المعابر وإيقاف عمليات التهريب، ووعدت بمفاوضات جدّية بصدد جلعاد شاليط، الأمر الذي قد يلزم الحكومة اتخاذ قرارات صعبة في الزمن القريب.
ليس هناك شك لدى إيهود باراك: تحليل موضوعي ومعمّق للوضع يستوجب التوجّه إلى التهدئة أولاً. التهدئة قبل العملية والتسوية قبل الهجوم.
ولكن رئيس الوزراء السابق قلق من حقيقة أن الكثيرين من أقرانه في القيادة لا يفهمون الأمور المفهومة بداهة. إسرائيل الحالية هي في نظره مكان زالت فيه الأمور البديهية. النقاش الشعبي ضحل وهناك اعتبارات شخصية مصلحية تؤثر في التقارير الإعلامية. ومن الممكن ملاحظة أعراض حرب لبنان الثانية لدى بعض الوزراء: عدم الجدّية، عدم المسؤولية والحماس الشكلي.
لو أن وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان لم يصرّا على رأيهما في الأسابيع الأخيرة، لوجدت إسرائيل نفسها داخل غزة، ولتورّطت الحكومة في مغامرة عسكرية جديدة ومتسرّعة من دون أهداف محددة قابلة للتحقيق.
حرب 2006 ما زالت تشتعل في عظام باراك. هو يعدّها فشلاً إسرائيلياً من أكبر الإخفاقات في العقود الأخيرة. الحكومة لم ترغب في الخروج للحرب ولم تنو ذلك. فهي لم تعرف حتى انها خارجة للحرب. في وقت لاحق، قالت لنفسها إن هدفها كان إيقاف عملية اشتداد بأس حزب الله الذي ارتفع من 7 آلاف صاروخ إلى 14 ألف صاروخ خلال ست سنوات من الهدوء في الجليل.
ولكن خلال العامين الماضيين منذ انتهاء الحرب، ازدادت قوة حزب الله لتبلغ 40 ألف صاروخ قادرة على الوصول حتى «يروحم» و«عراد» و«ديمونا»، وبإمكانها أن تصيب 97 في المئة من سكان إسرائيل. إنجازات قرار الأمم المتحدة 1701 شطبت، والتقارب العاطفي بين سوريا وحزب الله تعمّق، وحسن نصرالله ازداد قوة من الناحية السياسية داخل لبنان بصورة ملموسة.
ورغم ذلك، بعض أولئك الذين خرجوا للحرب ما زالوا يعتقدون أنها كانت نجاحاً باهراً. هم لم يستوعبوا الإخفاقات ولم يقدّموا فاتورة الحساب، بل استفادوا من تقرير فينوغراد عبرة أن المسؤولية تقع على كاهل المستوى العسكري لا السياسي. لذلك هم مستعدون لتطبيق طريقة التفكير السطحية نفسها التي فشلت في الشمال على الجنوب. إن نجحت ــــ نجحوا، وإن لم تنجح ــــ سيتضح أن المشكلة تكمن في الواقع لا في الطريقة التي أداروا بها تلك الحرب السيّئة الصيت.