هآرتس -يوسي ميلمانرئيس «الموساد» مئير دغان، ورئيس «الشاباك» يوفال ديسكن، ورئيس هيئة الاركان الأسبق موشيه يعلون، وكل حكماء المؤسسة الأمنية والعسكرية الذين يعارضون فجأةً صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله ومع «حماس» هم أبطال على الضعفاء. هم يعرفون كيف يفتلون عضلاتهم في مواجهة رئيس وزراء ضعيف مثل إيهود أولمرت مستعد على ما يبدو للتشبث بكل قشة حتى يحافظ على بقائه السياسي ـــــ لدرجة تغيير موقفه والعمل من أجل عرقلة الصفقة التي بادر هو نفسه إلى دعمها من البداية.
هم يبدون بطولة اللحظة الأخيرة على حساب عذابات عائلات ريغيف وغولدفاسر وشاليط. يعلون فاقهم في ذلك عندما قال هذا الأسبوع إنه إذا كان الثمن باهظاً جداً فعلينا أن نضحي بالأسرى. من المثير أن نعرف أين كان رئيس هيئة الأركان يعلون ورئيس الموساد، مئير دغان، ونائب رئيس الشاباك في حينه، يوفال ديسكن، في أواخر 2003 عندما طرحت صفقة (الحنان) تننباوم على المحك؟ لماذا صمتوا صمت القبور حينئذٍ وسمحوا بتمرير إحدى الصفقات الأكثر رداءة التي عقدت في تاريخ إسرائيل. لقد وقفوا صامتين رغم أنهم عرفوا أن إلحنان تننباوم هو مقامر قهري كان ضالعاً في صفقة مخدرات من أجل تغطية خسائره.
لم يسمح هؤلاء الأشخاص بتمرير تلك الصفقة فحسب، وإنما أتاحوا أيضاً لمحامي تننباوم أن يحقّق لزبونه ما كان مناقضاً لمصالح «الشاباك» وشرطة إسرائيل والجيش الإٍسرائيلي، حيث نجح في إقناعهم بأن يسمحوا له ولأبناء العائلة بلقائه للحظات فور هبوط طائرته في إسرائيل. بدلاً من التحقيق معه كأحد كبار الجناة المجرمين وكمشبوه بتهمة الخيانة يجب أن يتم استخلاص كل المعلومات التي أدلى بها لآسريه، وافقوا على السماح بذلك اللقاء الذي أعطى فيه المحامي التوجيهات لزبونه بالحفاظ على صمته خلال التحقيق.
تننباوم لم يخرج عن صمته إلا عندما وُعد بالحصانة من التقديم للمحاكمة. كل هذا علّل بذريعة مريبة أنه كان من الضروري معرفة إن كان قد أدلى بأي معلومات عن وجود مشروع مركزيّ للجيش الإسرائيلي كان هو مطّلعاً عليه.
وكأن كل أولئك الأبطال العسكريين والأمنيين لم يعرفوا أن الافتراض الأساسي الروتيني في الاستخبارات هو التصرف وكأن أسوأ الأمور قد حدث عندما يسقط الجندي في الأسر والافتراض أنه قد قدم إلى آسريه كل ما يعرفه. ولكن يعلون ودغان وديسكين وقادة آخرين في المؤسسة الأمنية لم يكونوا شجعاناً وحازمين جداً عندما كان قبالتهم رئيس وزراء قوي كأرييل شارون. لقد فضلوا مسح الجوخ والنفاق والانبطاح وعدم تحدي موقف شارون من خلال إحباط صفقة تننباوم. هذه الصفقة التي حطّمت كل الشيفرات الأخلاقية والخطوط الحمراء التي حاولت دولة إسرائيل الحفاظ عليها حتى ذلك الحين بشق الأنفُس. خلال هذه الصفقة، أطلق سراح مئات السجناء العرب، بمن فيهم فلسطينيون، في مقابل تاجر مخدرات واحد وثلاثة جثث لجنود إسرائيليين. إسرائيل كانت مستعدة لإطلاق سراح سمير القنطار حتى في ذلك الحين. ولكنها تراجعت عن ذلك في اللحظة الأخيرة فقط كي لا تغضب عائلة رون أراد التي غضبت من إطلاق سراح مصطفى ديراني وعبد الكريم عبيد.
وبذلك تحوّل سمير القنطار قبل أربع سنوات بجرة قلم وزلة لسان إلى «ورقة مساومة» وإلى «ذخر قومي». يا ويلنا إن اعتمد أمننا الوطني وردعنا على مخرّب واحد أو حتى على مئات المخربين ولو كانوا أكثر القتلة وضاعة الذين سيطلق سراحهم في الصفقتين المطروحتين على المحك.
الحقيقة المرة هي أن كل حكومات إسرائيل تصرفت بمعايير مزدوجة بين ما تقوله وما تفعله. هكذا كانت تتكلم بنبرة عالية عن عدم الخضوع للابتزاز الإرهابي، لكنها استسلمت المرة تلو الأخرى لهذا الابتزاز، منذ عام 1968، حين اختطفت طائرة «إل عال» إلى الجزائر. كانت هناك مرات أيضاً أعادت فيها إسرائيل جثثاً وسجناء أحياء في مقابل بعض المعلومات فقط، أو بعض العتاد الذي تركه مقاتلوها وراءهم بما في ذلك في حالة رون أراد.
إن إسرائيل ملزمة ببلورة واضحة للمعايير التي يجب أن يعرفها العدو أيضاً. الخطوط العامة يجب أن تكون: الجثث في مقابل الجثث، وعدد محدود من السجناء في مقابل أسرى أحياء، بنسبة 10 الى 1، كثمن معقول. ولكن هذه سياسة يجب الإعلان عنها مسبّقاً وليس في ما بعد. يجب أن نفعل ذلك فقط بعد استكمال الصفقة مع حزب الله (ثمنها 5 لبنانيين و8 جثث وعدد من الفلسطينيين، وهو ثمن من أكثر الأثمان التي دفعت انخفاضاً) ومع حماس.
ليس من الحكمة ولا البطولة الكبرى أن نحمّل الآن كل إخفاقات الماضي التي ارتكبتها السياسة الإسرائيلية على أكتاف عائلات الجنود المخطوفين الهشة والظهور بمظهر خدّاع وكأن هذه الصفقات كارثة أمنية إن نفّذت.