يحيى دبوقحسبما تسرّب إسرائيلياً، كان الموقف الابتدائي لحزب الله يطرح تقسيم الصفقة إلى مرحلتين، على أن تقتصر المرحلة الأولى على تبادل يشمل تسليم معلومات عن مصير الجنديين في مقابل ثمن يحدّده الحزب، فيما تخرج عملية التبادل الفعلية إلى حيّز التنفيذ في المرحلة الثانية، بحيث يُنقل الجنديان إلى إسرائيل في مقابل ثمن إضافي آخر.
ووفقاً للتقارير الإسرائيلية، طالب الحزب، في إطار المرحلة الأولى، بإطلاق سراح عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، سمير القنطار، إضافة إلى «كبير السجناء الفلسطينيين»، أمين سر حركة «فتح» في الضفة الغربية، مروان البرغوثي و400 أسير فلسطيني آخر، لقاء تقديم مستمسكات حسيّة تكشف عن مصير الجنديين الموجودين في قبضته، إيهود غولدفاسر وألداد ريغيف. إلا أن أولمرت قرر عدم الخضوع لآلية التفاوض التي حاول الحزب أن يمليها وطلب من ممثّله الشخصي في المفاوضات، عوفر ديكل، إبلاغ الوسيط الألماني بأن إسرائيل لن تدفع أي ثمن في مقابل الحصول على معلومات عن جندييها، وأن المفاوضات ينبغي أن تجري تحت هذا السقف. ولما كان موقف الحزب حاسماً أيضاً لجهة عدم إهداء الجانب الإسرائيلي أي معلومات مجانية عن مصير الجنديين، انتقلت المفاوضات إلى إطار جديد يقوم على مبدأ «الرزمة الكاملة»، أي أن يجري التفاوض على الجنديين، في معزل عن مصيرهما، والمساومة على الثمن المطلوب مقابلهما.
افتتح الحزب هذه المرحلة من التفاوض بسقف مرتفع طالب فيه بإطلاق سراح 3600 أسير فلسطيني، إضافة إلى الأسرى اللبنانيين جميعاً بالطبع. الجانب الإسرائيلي رفض كلياً هذا العرض، منطلقاً من مبدأ أن الأسرى الفلسطينيين ليسوا جزءاً من الأثمان المعروضة، ملمّحاً في الوقت نفسه إلى أن ثمة إمكاناً للإفراج عن سمير القنطار رغم أن مصيره مرتبط، بحسب القرار الحكومي الذي أقرّ صفقة تبادل عام 2004، بمصير الطيار الإسرائيلي المفقود، رون أراد.
ووفقاً لمصادر العدو، بقي التجاذب حول مبدأ اشتمال الصفقة على أسرى فلسطينيين قائماً لمدة سبعة أشهر علقت فيها الأمور عند هذا البند. وفي وقت لاحق، قدّم ديكل عرضاً مثّّل في مضمونه تراجعاً من جانب تل أبيب عن المبدأ الذي حددته قبل ذلك. وبحسب هذا العرض، أعربت إسرائيل عن موافقتها على الإفراج عن عدد محدد من الأسرى الفلسطينيين ــــ الأسرى اللبنانيون كانوا تحصيل حاصل ــــ إذا كان جنديّاها على قيد الحياة، ونصف العدد المعروض إذا كان أحدهما فقط على قيد الحياة، أما إن كان كلاهما ميتاً، فلن يكون أيّ أسير فلسطيني مشمولاً بالصفقة.
خلال هذه الفترة، بدأت تتبلور القناعة في أسرة الاستخبارات الإسرائيلية بأن الجنديين قتيلان بالاستناد إلى التحقيقات الطبية التي أجراها الجيش وجملة من المعطيات الاستخبارية التي تراكمت مع الوقت. آنذاك، أثيرت فكرة الإعلان عنهما رسمياً كـ«جنديين ميتين مكان دفنهما غير معلوم»، وتقرر استخدام هذه الورقة لابتزاز حزب الله على أساس أن السقف الإسرائيلي في التفاوض بعد الإعلان سيكون دفع ثمن يتناسب مع جنود أموات. إلا أنّ موقف حزب الله كان واضحاً وحازماً، إذ نقل الوسيط الألماني عن الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله قوله: «حتى لو أعلنتموهما ميتين، فإن ذلك لن يغيّر من الموقف شيئاً، وسيضطر الإسرائيلي إلى العودة للتفاوض عليهما».
في نهاية المطاف، اتخذت الأمور منحى شدد فيه الحزب على مبدأ إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من دون التوقف عند عددهم أو نوعيتهم، فتجاوبت إسرائيل مع هذا الطرح مشترطة أن يقدّم إطلاق سراحهم كبادرة حسن نية للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وأن تكون هناك فترة فاصلة بين تنفيذ الصفقة والإفراج عنهم حتى لا يظهر الأمر كأنه جزء من الصفقة. وهكذا أتيح كسر الجمود والانطلاق نحو بلورة بقية البنود، وصولاً إلى إتمامها كلياً قبل نحو أسبوعين، حيث حمل ديكل نص الاتفاق إلى أولمرت، طالباً بتّه أمام الحكومة.