حيفا ــ فراس خطيبلم تصدر وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، بياناً داعماً لرئيس الحكومة إيهود أولمرت في محنته. لم تطالبه بالاستقالة كما فعلت بعد تقرير «فينوغراد»، لكنَّها بالتأكيد لم تدافع عنه في ورطته. ليفني تعيش هذه الأيام فترة من احتساب الخطوات ما بعد أولمرت، تنظر إلى نفسها وإلى خصميها السياسيين من خارج «كديما»، بنيامين نتنياهو وإيهود باراك، وتسأل في صمتها: «من منهما أحقّ منّي برئاسة الحكومة؟»، فلا تجد إلا نفسها. لكنّ العثرات الحقيقية أمام حلمها المبتغى لا تأتي من المحيط، بل من بيتها «كديما»، و«صراعات البيت» أصعب ما يواجهه السياسيون.
ليفني ليست عاتبة على أولمرت للاشتباه بتلقيه مئات آلاف الدولارات بمغلفات. هي ليست «مستقيمة» إلى هذا الحد. سبق أن وقفت إلى جانب «مكتشفها» أرييل شارون عندما اشتبه الأخير بتلقيه أموالاً من رجل الأعمال سيرل كيرن، ودافعت عنه بحزم. لكنها اليوم تتخذ الصمت تكتيكاً، فهي ليست معنية بتسخين جبهة العراك مع أولمرت حالياً. وثمة مصالح مشتركة بينهما في هذه الآونة: هي بأمس الحاجة إلى كرسي «الخارجية» في حكومته لضرورة موقع القوة، وهو بأمس الحاجة إلى تهدئة الخواطر. تكفيه العواصف.
تنظر ليفني إلى ما بعد لائحة الاتهام في حال تقديمها. في رحلتها إلى «ما بعد»، ستبدأ العثرات مع الانطلاقة. مقربو أولمرت لن يجعلوا طريقها لتولي رئاسة الحزب نزهة. هؤلاء المقربون، أمثال حاييم رامون وروني بار ـ أون، ليسوا مجرد مقربين، هم «أصدقاء المحنة». عندما أدين رامون بتحرشات جنسية، دعمه أولمرت بكل ما أوتي من سيطرة، لإعادته إلى الحكومة بعد الإدانة. كذلك الأمر مع بار ـ أون، الذي ارتقى في عهد اولمرت إلى أرفع المناصب السياسية في تاريخه، وصار وزيراً للمال. بموازاة هذا، عندما انشغلت ليفني بوزارتها، كان الوزيران شاؤول موفاز ومائير شطريت (كاديما) يحرثان القرى والمدن لجمع انتسابات للحزب لتقوية نفوذهما في الانتخابات التمهيدية، وهو ما لم تفعله ليفني. لكن في مقابل وضعيتها الصعبة داخل حزبها، تتمتع ليفني بشعبية إسرائيلية لكونها «الوصفة المطلوبة» للإسرائيليين: «أشكنازية» جاءت من شمال تل أبيب «الراقي»، تنتمي إلى عائلة «محاربة». والداها من كبار عناصر «الايتسيل». خدمت في الجيش برتبة ملازم. ومن يبحث عن «ماضٍ أمني» في شرط أساسي لبناء شخصية القيادي، قد يجده أيضاً عند ليفني، فقد خدمت في «الموساد» الإسرائيلي لأربع سنوات (1980ـــــ 1984)، حتى إنَّها أجبرت على إيقاف دراستها المحاماة في جامعة بار إيلان، لـ «مهمة ما في باريس».
الفتاة الشقراء ذات الصوت الرخيم، التي كانت وجهاً مألوفاً في تظاهرات اليمين المعارضة للتنازل عن الضفة الغربية والجولان المحتل، جربّت دخول المعترك البرلماني ضمن قائمة نتنياهو و«الليكود» (1996) لكنها لم تنجح. رافقها الحظ في عام 1999، حيث حصل «الليكود» على 19 مقعداً، وهي كانت تحتل المرتبة الـ 18 على اللائحة. عندما غادر نتنياهو الحزب يائساً إلى أميركا لفترة، عملت ليفني إلى جانب أرييل شارون على إعادة بناء الحزب المهشم. تولى شارون رئاسة الحكومة (2001) وعيّنها وزيرة فيها، وصارت من أقرب المقربين إليه. وعندما أعلن شارون إقامة «كديما»، كانت ليفني من السرب الأول الذي هجر «البيت» معه.
ستواجه ليفني صعوبة واضحة في تجاوز العثرات في «كديما»، إذا نجحت، فهي ليست بحاجة لإقناع الإسرائيليين بانتخاب امرأة. فقد خاض الإسرائيليون التجربة مع غولدا مائير. وممكن خوضها هذه المرة، مع امرأة أكثر أناقة من غولدا.