strong>لم يعد أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية الكثير من الوقت. هكذا هي الأجواء في الداخل الإسرائيلي، حيث بدا أن إيهود أولمرت انتهى، شعبيّاً على الأقل، جرّاء شهادة رجل الأعمال اليهودي الأميركي موشيه تالنسكي، التي لم تترك حتى لمقرّبي أولمرت فرصة للدفاع عنه
حيفا ــ فراس خطيب
الشهادة المبكرة لموشيه تالنسكي في المحكمة الإسرائيلية المركزية، كانت «العرض الأخير» بالنسبة إلى رئيس الحكومة إيهود أولمرت. لا فرق بعد اليوم كيف ستسير الإجراءات القضائية والقانونية، ولا فرق ما إذا نجح محاموه المخضرمون في تفنيد الإدعاءات الثقيلة التي أطلقها تالنسكي، ولا فرق إذا كانت موهبة أولمرت الأزلية في الصمود ستنجح أم لا: فقد أدين رئيس الحكومة الإسرائيلية... جماهيرياً.
أولمرت كان قيد الجدل الإعلامي حتى أمس، وتحول بعد شهادة تالنسكي إلى شخص يجمع المراقبون على ضرورة مغادرته ديوان رئاسة الحكومة. فمن فتش عن كلمة طيبة بحقّه في الصحف الإسرائيلية الكثيرة، سيدرك أنَّه يخوض مهمة مستحيلة. السطور كتبت بامتعاض، والتفاصيل التي أدلى بها تالنسكي لم تترك حيّزاً حتى لمقرّبي أولمرت للدفاع عنه.
لن يحارب أحد لنصرة أولمرت حتى لو أراد: «قائد» دوّن في سيرته الذاتية ستة تحقيقات من الفساد السلطوي، يعشق، بحسب تالنسكي، السيجار والنوم في أجنحة الفنادق الفخمة والأقلام الثمينة، يحب المبالغ النقدية في مغلفات يميل لونها إلى الصفار، ولا يقبل الشيكات. والأهم من هذا، يجرّ من ورائه حرباً فاشلة، وطيفاً على شاكلة «فينوغراد» لا يتركه. قائد «عاجز» أمام غزة المحاصرة، وخاضع لائتلاف حكومي هش صار فيه المتدينون المتشددون «الحلقة الأقوى». حتى عندما حاول اللجوء إلى الحدود الشمالية لـ«تحرك ما» مع سوريا، غالبية وزرائه أعربوا عن معارضتهم للخطوة، في وقت تمنحه استطلاعات الرأي نتائج تشبه تلك التي صدرت في أعقاب حرب لبنان. 70 في المئة من الجمهور الإسرائيلي لا يثق به، و51 في المئة من مصوّتي «كديما» لا يصدّقونه. يبدو أولمرت اليوم في وقت بدل الضائع. وخلافاً لألعاب كرة القدم، فإن الوقت بدل الضائع في السياسة لا يكون من أجل استغلال الفرصة الأخيرة، بل يأتي بعد استغلال كل الفرص.
المراقبون ممتعضون
وسائل الإعلام العبرية نقلت شهادة تالنسكي حرفاً حرفاً، فوثّقت مسيرة الفساد وسير المغلفات من أميركا إلى القدس المحتلة. لن يعود هذا الإعلام بعد شهرٍ أو اثنين إلى إقناع الجمهور الإسرائيلي بعكس ما قيل. حتى الإعلاميين الذين دعموا أولمرت في معركة «إثبات الذات» بعد حرب لبنان الثانية، لا يجدون اليوم متّسعاً لتكرار التجربة. ولعل ناحوم بارنياع، كبير المعلقين في صحيفة «يديعوت أحرونوت» خير مثال على الأزمة. بارنياع، الذي أبدى نوعاً من القبول لإيهود أولمرت خلال الأشهر القليلة الماضية، انفجر على الصفحة الأولى، بمقال تحت عنوان «انتقام الصراف الآلي» في إشارة إلى تالنسكي.
كان بارنياع حاضراً في المحكمة، وكتب: «إذا كانت شهادة تالنسكي صحيحة، وإذا كان وصفه هذا هو السلّم الذي تسلّق عليه أولمرت لرئاسة الحكومة، فلا مناص من التفتيش عن السلّم لإنزاله (أولمرت) إلى الأسفل». وتابع: «لقد وصف تالنسكي بالأمس سياسياً كبيراً، رئيس بلدية كبرى، ومن بعدها صار قائماً بأعمال رئيس الحكومة، الذي حوّل يهودياً أميركياً إلى الصراف الآلي خاصته».
وأشارت محللة الشؤون الحزبية للصحيفة نفسها، سيما كدمون، إلى ما كان في قاعة المحكمة بأنه «بكلمة واحدة، مقرف، وبكلمتين، مقرف ومقزز». قالت إن الشهادة التي أدلى بها تالنسكي «لم تكن دراماتيكية فحسب، كانت مقززة». وتابعت «إنه لمن المقزز أن رجل جمهور يطلب ويحصل على تبرعات نقداً، من دون وصولات، ومن دون أن يسجل شيئاً». وأضافت «من المقزز التفكير بمسؤول جماهيري كبير إلى هذا الحد يستعمل بطاقة اعتماد ليهودي أميركي من أجل تمويل مصاريفه، من المقزز أن رجل جمهور يحصل على 25 ألف دولار هدية لتمويل عطلة عائلية، من المقزز أن يحصل رجل جمهور على هدايا بمئات آلاف الدولارات من أجل تحسين ظروف أسفاره، من أقسام الأعمال إلى المراتب الأولى، فنادق فخمة، مطاعم وعطل، ومن المقزز السماع عن قروض لم تسترجع على الرغم من طلب مانح القرض».
وأضافت كدمون «من الممكن أن جزءاً من الشهادة التي سمعت بالأمس ليس صحيحاً. وأن أجزاءً أخرى ليست دقيقة. وهناك أمور أخرى لها تفسيرها. وقد يتبيّن ربما أنه لا توجد مخالفات جنائية. لكن التصرفات التي يصفها تالنسكي مخجلة ومقززة حتى لو لم يتم الحديث عن رجل جمهور». ورأت أنه: «لا يوجد أي شيء مغرٍ في أناس يعيشون على حساب الآخرين».
وطالبت صحيفة «هآرتس»، في افتتاحيتها، أولمرت بإعطاء «توضيحات» عن شهادة تالنسكي أو «الاستقالة». وقالت «إن ردّ إيهود أولمرت بعد عيد الاستقلال («لم أحصل على اغورة واحدة لجيبي الخاص») لا يمكن لها أن تكون معلّقة بالهواء من دون توضيحات مفصلة. على أولمرت أن يعطي توضيحات، أو أن يستقيل».
وأشار محلل الشؤون الحزبية في الصحيفة، يوسي فيرتر، إلى أن «أولمرت تمت تصفيته جماهيرياً. لن ينهض منها. الشهادة المبكرة التي سمعت في المحكمة المركزية في القدس ستلوح منذ الآن مثل غيمة سامة من على رأس رئيس الحكومة أينما يذهب حتى يذهب».