يديعوت أحرونوت ـ رون بن يشايعلى خلاف ما كان مفترضاً، لم يؤدّ مرور الوقت على اغتيال عماد مغنية إلى استعادة إسرائيل أوضاعها الطبيعية، بل ارتفع مستوى الاستنفار الإسرائيلي جراء التقدير باقتراب موعد «تصفية الحساب». ما هو احتمال نشوب حرب إسرائيلية ــ سورية؟
المؤسسة الأمنية هادئة، لكن «التصعيد البارد» هو واقع قائم، لأن الاستعدادات جارية، في سوريا وإسرائيل على حد سواء، لاحتمال اندلاع مواجهة، في أعقاب الانتقام لتصفية مغنية. على أن التوتر لن يقود بالضرورة إلى صدام عسكري حقيقي، وخصوصاً إذا نجح الردع الذي تسعى إسرائيل إلى إنتاجه. وقد تستغل سوريا الأزمة لإحكام قبضتها على لبنان.
فمنذ تصفية عماد مغنية في دمشق، فُتحت دورة إضافية من «التصعيد البارد» على الجبهة الشمالية ــ الشرقية. ويدور الحديث عن وضع تتوقع فيه كل أطراف المواجهة «تصعيداً ساخناً» في وقت قريب، أي: مواجهة عسكرية سيبادر إليها الطرف الآخر. لذلك، يقوم الجميع تدريجاً بتعزيز خطواته الاستعدادية والتحضيرية في الميدان. إضافة إلى ذلك، يسعى كل طرف إلى ردع الآخر عبر رسائل تحذيرية محددة. لكن ما يحصل حالياً ليس الدورة الأولى في لعبة البوكر الاستراتيجية هذه مع سوريا وحزب الله وإيران؛ فالدورة السابقة كانت في صيف 2007، قبل أن تدمر إسرائيل المنشأة النووية ــ وفق التقارير الأجنبية ــ التي أقامها (الرئيس السوري بشار) الأسد في دير الزور. حينها، اتهمت دمشق إسرائيل بأنها دبرت ضدها هجوماً كبيراً، لتمحو عار حرب لبنان الثانية. وقد خشيت إسرائيل من أن تقوم سوريا برد فوري على تدمير المنشأة، وربما تنوي محاكاة «انتصار» حزب الله. ولكن بعد الهجوم، اقتنعت سوريا، على ما يبدو، بأن إسرائيل لا تنوي القيام بهجمات إضافية. لذلك قررت عدم الرد فوراً بعملية انتقامية. وعندما رأوا في القدس أن السوريين يخفضون من مستوى استعداداتهم، اتخذت إسرائيل خطوات في الجولان. وهكذا، وصلت دورة «التصعيد البارد» السابقة إلى نهايتها.
أما الدورة الحالية من التوتر المتفاقم فهي ناتجة من تقدير إسرائيل، بأن حزب الله ــ بمساعدة من إيران وسوريا ــ يحضر لعملية إرهابية مدوية وإجرامية، أو توجيه ضربة صاروخية، انتقاماً لتصفية مغنية. حتى إنه من الممكن أن تنضم سوريا إلى حزب الله وترد في الوقت نفسه على الغارة الإسرائيلية في دير الزور. ومن جانبهم، تعلم كل من سوريا، وحزب الله وإيران، كما يبدو، أن عملية انتقامية كهذه آتية حقاً، ويخشون من أن تردّ إسرائيل عليها ــ كما هددت بشكل واضح ومكشوف ــ بـ«ضربة قاسية غير محدّدة»، وهو مصطلح يفسره الجانب الآخر، على ما يبدو، كرد جوي وبري كبير ينفذه الجيش الإسرائيلي ضد الأراضي السورية واللبنانية، تعيد من خلاله إسرائيل تأهيل قدرتها الردعية و«تغلق حساب» الهزيمة في حرب لبنان.
ووفقاً للإعلام العربي، فقد بدأت سوريا قبل أسبوعين بتعزيز قواتها على الحدود اللبنانية، في منطقة البقاع ــ وهي «الخاصرة الرخوة» لمنظومة دمشق الدفاعية. كما عزز السوريون حالة التأهب والاستعداد في المنظومة الصاروخية وكذا المضادة للدبابات واستدعوا، كما في كل عام، رجال الاحتياط للتدريب. ومن جانبه، يسعى حزب الله لاستكمال استعداداته لصد دبابات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، والمنظومة الصاروخية الثقيلة التي نشرها شمالي الليطاني. يشير كل شيء إلى أن عملية الانتقام لتصفية مغنية اقتربت، وفي الجانب الآخر يخشون من الرد ــ إمّا عبر ضربة مسبقة، ينفذها الجيش لمنع العملية الانتقامية؛ أو عبر ضربة تكون رداً على العملية الانتقامية.
واضح جداً أنّ تصفية مغنيّة والانتقام الذي يحاول حزب الله وإيران أن يحصلا عليه، هما السبب الأساس والمباشر للتوتّر المتزايد في الشمال. لكن ثمّة سبباًً واحداً إضافيّاً على الأقلّ بسببه على إسرائيل أن تبقي عينها مفتوحة وإصبعها على الزناد؛ ففي شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» يقدّرون بأنّه إذا ما اضطرّ الجيش الإسرائيلي للدخول في عمليّة واسعة في غزّة، فقد تتجه إيران وحزب الله لدعم «حماس» بإطلاق القذائف والصواريخ. ويجب على إسرائيل أن تكون مستعدّة عسكريّاً ونفسيّاً سواءً لعمليّة كهذه أو لعكسها ــ لوضع تقوم فيه «حماس»، بناءً على طلب من إيران، بإطلاق صواريخ «غراد» و«قسّام» وعمليّات أخرى لمساعدة حزب الله. يقدرون في طهران، على ما يبدو، أنه في الحالتين سيضطرّ الجيش الإسرائيلي لأن يقسم قوّاته إلى جبهتين، وستتكبد إسرائيل خسائر كبيرة وستصطدم بصعوبات اقتصاديّة ومعنويّة، ترغمها على اختصار عمليّتها العسكريّة فيهما ــ بما يسمح لـ«المقاومة» بإحراز نصر.
السيناريو الثالث الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان هو أنّ السوريّين سيستغلّون عمليّة الانتقام لتصفية مغنيّة ــ والردّ الإسرائيلي عليه ــ كي يعيدوا لأنفسهم السيطرة على لبنان وتتويج حزب الله بصفته القوّة السياسيّة المهيمنة في هذا البلد. السيطرة على بلاد الأرز هي المصلحة القوميّة الأكثر أهمية لدى سوريا ــ حتى أكثر من الجولان. دمشق حاولت تجديد تأثيرها في لبنان من خلال انتخاب رئيس جديد موالٍ لها، هذا المسعى فشل، وهي مستعدّة حاليّاً لانتخاب رئيس محايد، لكنّها تدعم مطلب (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله بتغيير موازين القوى في البرلمان اللبناني، بحيث يكون للأخير حق الفيتو على القرارات ــ بما في ذلك قضيّة الدعوة لمحاكمة دوليّة لقتلة رئيس الحكومة السابق، (رفيق) الحريري.