هآرتس ـ تسفي بارئيلخبران هامان احتلّا عناوين الصحف السورية الرسمية يوم الخميس الماضي، غداة حالة الهلع الكبيرة التي أصابت وسائل الإعلام الإسرائيلية وانعكست في الحديث عن إمكان نشوب حرب مع سوريا واستدعاء الأخيرة لفرق الاحتياط وقيامها بتحركات غير واضحة في صفوف جيشها، أثار (الرئيس السوري بشار) الأسد قلقاً آخر: أصدر أمراً رئاسياً هاماً بصدد الرقابة على مخالفات البناء في سوريا.
الخبر الآخر دار حول النجاح الكبير الذي لقيته القمة العربية المعقودة في دمشق. افتتاحيات الصحف السورية تناولت قضية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والحاجة لفرض مقاطعة عربية على إسرائيل غير المستعدة لتبني المبادرة العربية للسلام. حرب سورية ضد إسرائيل؟ حرب إسرائيلية ضد سوريا؟ تحضيرات لصيف ساخن؟ ليس هناك أي كلمة حول ذلك. في إسرائيل، في المقابل، ساد التوتر والخوف. عادت الكلمة السحرية مجدداً إلى الهمس: الخطأ في الحسابات. معنى ذلك أنه إن لم يفهم الأسد التحركات الإسرائيلية أو إن لم تفهم إسرائيل تحركات الأسد أو إن لم يفهم (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله نيات إسرائيل، فإن رصاصة ما أو قذيفة قد تُطلق فجأة وتتمخض عن عملية مضادة تقود من دون نيات مبيتة نحو حرب إقليمية واسعة.
الجنرالات والمستشارون يهرولون لتهدئة الخواطر، ورسائل الطمأنة أُرسلت من وإلى دمشق، وكل ذلك لأجل التوضيح بأنه لا يوجد داع للقلق. ربما تندلع حرب أخرى، ولكن ليس حرب خطأ في الحسابات لا ليس هذه المرة.
السؤال ليس إن كانت سوريا قوية بدرجة كافية لشن الحرب أو إن كانت إسرائيل مستعدة للرد عليها؛ فسوريا سبق أن شنت حروباً على إسرائيل في وقت كان يبدو فيه أنها ليست جاهزة لها. وإسرائيل كذلك، خرجت للحرب قبل سنة ونصف سنة من دون أن تكون مستعدة لها بتاتاً. كما إن قوة إسرائيل الردعية ليست موضوعة على المحك، ذلك أنه إن كانت سوريا تحرك فعلاً فرقة عسكرية نحو الحدود، فهذا دليل على أنها لا تعترف بقوة الردع الإسرائيلية. المسألة تكمن في السهولة التي يرتفع فيها الزئبق في مقياس الحرارة القتالي بين الدولتين. والأدهى من ذلك غياب آلية حقيقية قادرة على منع هذا الخطأ الحسابي. سبب ذلك يعود إلى المفارقة الإسرائيلية النابعة من النقصان الخطير في التفكير السليم. تعتقد هذه المفارقة أنه ما دامت سوريا ضعيفة ولا تشكل تهديداً فلا داعي لعقد سلام معها. لكن إذا كانت سوريا ضعيفة ولا تنوي الحرب فما هو جوهر الفزع من الحسابات الخاطئة التي قد تؤدي إلى حرب؟ المقلب الآخر في المفارقة يرى أنه ينبغي عقد سلام مع سوريا قوية وتشكل تهديداً.
المشكلة الأساسية هي أن هذه المفارقة تتناول العلاقات بين إسرائيل وسوريا فقط من خلال المنظار القتالي وتمتنع عن استخدام المنظار السياسي. السلام مع سوريا يعدّ خطوة تكتيكية. لو وجدت هناك وسيلة بديلة مثل خط هاتفي أحمر بين دمشق والقدس، فلن تكون هناك حاجة للسلام حينئذ. الانسحاب من هضبة الجولان من أجل هاتف أحمر ثمن باهظ جداً بلا شك.
النتيجة هي أن إسرائيل تبحث عن مقابل تكتيكي ملائم حتى تصنع السلام مع سوريا. السلام بحد ذاته ــ ليس «جديراً». السلام مع دولة عربية تؤثر على حزب الله وتسيطر على الوضع في لبنان وتمتلك علاقات قوية مع إيران وعلاقات صداقة مع تركيا وموقّعة على المبادرة العربية، وتعلن مسبقاً عن أي مناورة عسكرية تقوم بها ــ هو بنظر إسرائيل سلام فارغ.
إسرائيل تريد قبل كل شيء تغيراً استراتيجياً في الشرق الأوسط: أن تنفصل إيران عن سوريا وأن يتم إبعاد قيادة «حماس» من دمشق وأن يتهوّد حسن نصر الله ــ حينئذ فقط «ستمنح» السلام لسوريا. السلام مع سوريا، وفقاً لإسرائيل، يجب أن يكون نتيجة عرضية ثانوية لا أمراً هاماً على نحو خاص، كما ليس رافعة يمكن من خلالها إحداث الانعطافة الاستراتيجية.
هذا الحلم الإسرائيلي لن يتحقق. بدلاً من ذلك، يمكن لكل صحيفة عربية أو إسرائيلية أن تدفع الجنرالات الإسرائيليين إلى الهرولة في كل مرة لتدارس الوضع والتوضيح بأن الحرب مع سوريا ليست على المحك. ولا السلام لا قدر الله. سيكون هناك خطأ في الحسابات في أقصى الأحوال. ومثلما قال نائب رئيس هيئة الأركان: نحن جاهزون لكل السيناريوهات. باستثناء سيناريو السلام.