هآرتس ــ أمير أورنفي أيلول 1984، مع تسلم إسحق رابين منصب وزير الدفاع، دعا إليه السفير الاميركي سام لويس وفاجأه برسالة لواشنطن: طلب الشروع بجس نبض سري مع دمشق لمعرفة مدى جهوزيتها للسلام مع إسرائيل وبأي شروط. مبادرة رابين انقطعت ولم تكن لها استمرارية. إدارة رونالد ريغان ونظام حافظ الأسد كانا في خضم مواجهة مباشرة، والقوات الإسرائيلية لم تنسحب بعد من وسط لبنان، بينما اعتمدت سوريا على «ركيزة استراتيجية» سوفياتية.
التوتر الموسمي بين إسرائيل وسوريا في هذه الأيام يجسّد حجم المضيعة التي حدثت في ذلك الوقت وتواصلت في العقود التالية. بعد استعراض الولايات المتحدة لقوتها في مواجهة العراق في 1991 و2003، أصبح من الممكن التوصل إلى سلام مع سوريا وتجنّب مخاوف الحرب وتوفير سقوط مئات الضحايا في حرب لبنان.
في التسعينيات، حاول رابين دفع عملية الحوار مع الأسد من خلال ادارة كلينتون ووزير خارجيته الضعيف وارن كريستوفر. لكن في غياب وزير خارجية بوش الأب النشيط جيمس بيكر، ضاعت الفرصة لعقد الاتفاق. وانجذب رابين لعملية أوسلو كبديل أكثر إشكالية ومن دون ارتياح لذلك.
حافظ الأسد نشر فرقة في السعودية في إطار التحالف ضد صدام حسين وأرسل ممثلين لمؤتمر مدريد ومن ثم أرسل رئيس هيئة أركانه حكمت الشهابي لإجراء مفاوضات مع إيهود باراك وأمنون شاحاك. ابن الأسد تعلم من ابن بوش درساً مثيراً: الاجتياح الأميركي لافغانستان والعراق كان رسالة له بأنه ليس محصناً ضد العقوبات.
هذه كانت خلفية الاتصالات بين شقيقه ماهر والمدير العام لوزارة الخارجية سابقاً إيتان بنتسور بمباركة من وزير الخارجية سيلفان شالوم وعلم رئيس الوزراء أرييل شارون. ولكن ما أثار ذهول سيلفان شالوم أن شارون طلب تلقي تقرير محادثة ماهر ــ بنتسور بوجود مستشارين كثر لا على انفراد كما كان شالوم ينوي أن يفعل. وسرعان ما نشر خبر الاتصالات لعرقلتها من جهة، ولإحراج شالوم أمام السوريين والاسرائيليين.
الرئيس بوش ينفر من النظام السوري بصورة صارخة. إلا أن الاعتماد الإسرائيلي على ذلك بوصفه سبباً للجمود في المسار بين القدس ودمشق هو مجرد ذريعة. لم يسبق أن تجرأت أي إدارة أميركية على معارضة أي تقدم سياسي عربي ــ إسرائيلي عندما تم تحقيقه من دون علمها وخلافاً لخططها.
النتيجة العملية لعداء بوش هي انتظار دمشق للرئيس الاميركي المقبل، سواء كان جون ماكين المؤيد للتسوية الإسرائيلية ــ السورية ويحترم نصيحة بيكر وبرنت سكوكروفت، مساعدَيْ بوش الأب اللذين حثا على ذلك؛ أو كانت هيلاري كلينتون التي قالت لصديق إسرائيلي إنها ستفضل بذل الجهود في هذا المسار على المراوحة في المسار الفلسطيني؛ أو باراك أوباما الذي يؤيّد المصالحة بالطرق السلمية ومن خلال التفاوض بين الأعداء. 2009 سيكون عام استئناف الاتصالات بسرعة حثيثة.
لنفس السبب بالضبط، لا يجدر بالأسد أن يبادر الى الهجوم على إسرائيل. من المفترض أن يكون هدف الحرب تحقيق اتفاق سياسي تفاصيله معروفة (الجولان في مقابل السلام). ولكن ما دام بوش في البيت الأبيض، سيكون تحرك الأسد عسكرياً دعابة مغامرة. حتى إن كانت نهاية الحكاية بين الدول معروفة سلفاً، فقد يسمح بوش لإسرائيل في الطريق إليها بأن توجّه ضربة قاسية لسوريا ونظامها وللأسد شخصياً.
لذلك هذا وقت اللاحرب واللاسلم في الشمال.