يديعوت أحرونوت ـ عامير رابابورتإن جوهر ما يحصل في غزة في الأيام الأخيرة هو فشل إسرائيلي خطير إزاء «حماس». ثمة منطقة إسرائيلية كاملة تتعرض لهجمات يومية. المزارعون في كيبوتسات المنطقة قالوا هذا الأسبوع، بصدق، إنهم يشعرون بأن الجيش يخذلهم. فالجيش يتحرك على طول السياج الفاصل بآليات مدرعة بينما هم (المزارعون) مكشوفون في حقولهم.
لقد أسهم المستوى السياسي في العجز الإسرائيلي، عندما لم يحدد للجيش هدفاً واضحاً في ما يعني وقف إطلاق الصواريخ باتجاه النقب الغربي. وثمة شكّ في ما إذا كانت هناك طريقة عسكرية لإنجاز هدف طموح كهذا، ولكن، في جميع الأحوال، المستوى السياسي يسير في خط متعرج. حتى ما قبل نحو شهرين جرى التعامل مع الحصار الاقتصادي على قطاع غزة كأحد السبل التي من المفترض أن تُخضع «حماس». لكن هذا الأسبوع قرر وزير الدفاع إيهود باراك مواصلة تزويد القطاع بالوقود، حتى بعد العملية التخريبية في المحطة التي تؤمّن وقود الغزاويين. ليس واضحاً بالضبط ما هي الرسالة من هذا القرار.
حتى الجيش لا يقوم بواجبه في الوضع المعقّد حيال «حماس»؛ فمعظم العمليات الصغيرة داخل غزة ناجحة ــــ لكنها بلا غاية ذات دلالة. في المرة الوحيدة التي سمح فيها المستوى السياسي للجيش بالعمل في القطاع بشكل موسع نسبياً ـــــ عملية «شتاء ساخن» في شمال القطاع قبل نحو شهرين ـــــ حصلت أخطاء خطيرة: المطلوب من القوات كان قتل ما أمكن من المسلحين، فيما النتيجة كانت أكثر من مئة قتيل في الجانب الغزّاوي، العشرات من الأبرياء.
كان من المفترض أن يجبي القتل، من «حماس»، ثمن إطلاق الصواريخ على سديروت، لكنّ حالة الغليان الخطيرة التي سيثيرها في الضفة الغربية، في العالم العربي وحتى لدى عرب إسرائيل، لم تؤخذ بالحسبان. يمكن الافتراض أيضاً أنه حتى العملية التي استهدفت المعهد الديني في القدس كانت نتيجة عفوية لحجم القتل في عملية غزة ـــــ مواطن من سكان شرقي القدس قرر القيام بشيء ما في ضوء التقارير التي سمعها في وسائل الإعلام العربية عن "المجزرة».
تثبت أحداث الأسابيع الأخيرة، بالطبع، أن الردع الإسرائيلي لم يتحسّن بعد عملية «شتاء ساخن»، وذلك بالرغم من كثرة القتلى في الجانب الفلسطيني. حتى إن جهات كثيرة في المؤسسة الأمنية تعتقد بأن ما حصل هو نتيجة معاكسة. في عدد غير قليل من الأجهزة الأمنية تسود بشكل متزايد فكرة أن «شتاء ساخن» سبّبت لإسرائيل ضرراً بعيد المدى تقريباً كما حصل في حرب لبنان الثانية، وربما حتى أكثر. ففي حرب لبنان الثانية تلقّينا آلاف الصواريخ، ولم ننجح في القضاء على حزب الله. وفي «شتاء ساخن»، عدة مئات من الصواريخ على منطقة صغيرة نسبياً أدت بإسرائيل إلى «الانكفاء» أمام «حماس» والانسحاب من القطاع، وفق المفهوم الفلسطيني. هذه رسالة خطيرة تعزّز المفهوم السائد في العالم العربي، الذي يقول إن «إسرائيل لا تفهم إلّا بالقوة» و«أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية حسّاسة جداً».
هل يمكن الحسم؟ إلى أن تنهي المؤسسة الأمنية تطوير منظومة «القبة الحديدية» المضادّة للصواريخ، سيمرّ عامان على الأقل. وحتى إن تكلّل المشروع بنجاح، يمكن «حماس» أن تستنزفنا اقتصادياً: فتكلفة إطلاق كل صاروخ (من جانب حماس) ضئيلة جداً، لكنّ إطلاق كل صاروخ عبر «القبة الحديدية» سيكلّف ما لا يقل عن 80 ألف دولار. أخيراً، أنهى الجيش كل استعداداته تمهيداً لعملية محتملة في غزة، لكن ليس أي فرصة لإعطاء الضوء الأخضر لعملية كهذه قبل عيد الفصح وأعياد الـ60.
على كل حال، هناك سؤال يطرح: هل بالإمكان التوصّل إلى حسم أمام «حماس» من خلال عملية بريّة أو بأي وسيلة أخرى. فقد قال، هذا الأسبوع، الوزير عامي أيالون إنه «يجب الابتعاد عن مصطلح «الحسم»، الذي كان مقبولاً في حروب الماضي، فنحن أمام حماس في غزة نواجه مشكلة من نوع آخر، إذ إن مصطلح «حسم» ليس ذا صلة بها. وذلك لأنّ حماس لا تتطلّع إلى الحسم معنا، بل إلى «الحسم»، على غرار ما فعاه حزب الله في حرب تموز.
هذا، ويكثرون في المؤسسة الأمنية من ذكر مخزون الأسلحة لدى «حماس»، وخصوصاً، بعد هدم السور مع مصر عند محور فيلادلفي. المخزون مؤثّر: كميات كبيرة من المواد المتفجرة، مدافع صغيرة، صواريخ كتف، مدافع هاون، صواريخ ضد الدبابات وصواريخ، تستطيع، ربّما، الوصول إلى إشدود أيضاً. هذا المخزون هو نقطة في بحر قوّة الجيش. كما أن حماس لا تقترب، (في هذه الأثناء) من قدرات حزب الله في حرب لبنان الثانية.
لقد أسهمت المعلومات عن كميّة السلاح، في إثارة خشية كبيرة إزاء انعكاسات عملية بريّة في عمق القطاع، لكن يمكن ذكر أحداث نيسان 2002 أيضاً. حينها انطلقت عملية «السور الواقي» التي نفّذها الجيش بالتزامن مع كلام عن عدم قدرة الجيش على تحقيق حسم أمام المخربين في المدن الفلسطينية المكتظة.
وفي إطار الخشية الكبيرة من وقوع مئات القتلى من الجنود، يشار إلى أن لواء غولاني دخل إلى مخيمات اللاجئين المحيطة بـ«طولكرم» وكانت نتائج العملية واضحة لمصلحة الجيش. وتؤكد الصورة، التي يبدو فيها مئات من رجال «طولكرم» رافعين أيديهم بخنوع أمام جنود غولاني ويسلّمون مئات من بنادق الكلاشنيكوف، هذا المعنى جيداً.
من الصعب المقارنة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث الاكتظاظ هناك أضعاف مضاعفة. لكن منذ «السور الواقي» خفّت حدة الإرهاب في الضفة الغربية بشكل ملحوظ، ويمكن هذه الحقيقة أن تُستخدم عِبرة للتاريخ.