strong>رأى معلّقون إسرائيليون في العمليات الأخيرة لـ«حماس» تغييراً استراتيجياً في النهج القتالي للحركة، يهدف خصوصاً إلى تحقيق غايتين أساسيتين، هما فكّ الحصار عن قطاع غزة والسعي لأسر جنود إسرائيليين بهدف مقايضتهم بأسرى فلسطينيين، وجاء مصحوباً بتطوّر نوعي في مستوى التخطيط والتنفيذ والتنسيق ما يمثّل مدعاة للقلق
مهدي السيد
توقف معلّق الشؤون الأمنية والعسكرية في «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، عند الدلالات الاستراتيجية لسلسلة العمليات التي نفذتها «حماس» في الآونة الأخيرة، عموماً، والعملية النوعية التي حصلت عند معبر كرم بو سالم خصوصاً، فرأى أنه «بات من الواضح تماماً أن حماس غيّرت استراتيجيتها القتالية. ذلك أنها قامت في الأسابيع الأخيرة بنقل جهدها الأساسي من الإرهاب الإحصائي المنحني المسار، الذي يقوم على أساس المس الجسدي والنفسي بالمدنيين الإسرائيليين من دون تمييز، واللجوء إلى ما يمكن تعريفه بأنه عمليات غوارية مركّزة ومعقّدة، وموجهة خاصة إلى قوات الجيش الإسرائيلي العاملة على طول السياج».
ويشير يشاي إلى أن «الأهداف الاستراتيجية للحركة بقيت من دون تغيير: الهدف الأول، إرغام إسرائيل ــــ بواسطة الضغط العسكري والإعلامي ــــ على رفع الحصار الاقتصادي عن القطاع. وهو الحصار الذي يهدد بقاء حماس في السلطة. الهدف الثاني، هو ابتزاز إسرائيل لفرض هدنة بشروط تتيح لحماس التعاظم عسكرياً وسياسياً والاستعداد لجولة قتال أكبر في المستقبل».
ويرى يشاي أن «سبب التغيير في استراتيجية القتال هو أن قيادة الحركة توصلت في الآونة الأخيرة إلى خلاصة مفادها أن الإرهاب الإحصائي «الموجّه إلى المدنيين ــــ الصواريخ وقذائف الهاون ونيران الرشاشات ــــ لا يُحدث الجلبة السياسية والنفسية المطلوبة، لا بل يلحق الضرر بحماس أمام الرأي العام العالمي والفلسطيني، ويمنح إسرائيل شرعية المس بالحركة وقادتها، وشن حملة عسكرية كبيرة في القطاع، وهذا ما تريد حماس أيضاً أن تمنع حصوله. ولذلك قررت تركيز جهودها على العمليات النوعية ضد الجيش الإسرائيلي».
ويعتقد يشاي أن «ذروة طموح قادة الحركة، الذين يفضّلون شن عمليات غوارية على الجيش الإسرائيلي، هو أسر جنود إسرائيليين». ويرد ذلك إلى أن «تجربة حزب الله وتجربتهم هم تعلّمانهم أن وجود عدد من الجنود أسرى بين أيديهم لن يؤدي إلى تعزيز جوهري لقدرة الحركة على المساومة في المفاوضات بشأن الإفراج عن أسرى في مقابل جلعاد شليط فحسب، بل سيضع في أيديهم أيضاً رافعة ردع شديدة القوة. ذلك أنه في حال وقوع عدد من الجنود رهائن في يد حماس، فستفكر حكومة إسرائيل ملياً ــــ خشية انتقام حماس ــــ قبل أن تأمر بتصفية زعمائها في القطاع، وقبل أن تأمر الجيش الإسرائيلي بشن حملة عسكرية كبيرة».
ويربط يشاي بين «متابعة قادة حماس في غزة ودمشق التقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية، واستخلاصها أن الجمهور الإسرائيلي حساس تجاه الإصابات بين صفوف الجنود أكثر من حساسيته تجاه عملية المس النفسي والجسدي بالمدنيين جرّاء صواريخ القسام، وهو ما سبق لحزب الله أن أدركه في حرب لبنان الثانية».
ويؤكد يشاي أن «كل عملية غوارية هجومية ناجحة، مثل العملية الأخيرة، تمنح حماس تأييداً كبيراً في الشارع الفلسطيني ونقاط قوة كبيرة. بناءً عليه، ترى حماس، أن هذه هي القناة التي يتعيّن توظيف الجهود فيها من أجل التفاوض بشأن التهدئة من موقع القوة ومن أجل زيادة قوتها السياسية وهيبتها».
ويلفت يشاي إلى أن «العملية الأخيرة لا تدل فقط على أن حماس تغيّر استراتيجيتها، بل تدل أيضاً على أنها مؤهّلة لتنفيذها بهذا المستوى العالي من الدقة في التخطيط، وهذا المستوى من التنفيذ والتنسيق بين قوى مختلفة، وهذا ما لم يكن لديها في الماضي».
في السياق، رأى المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئل، أن «محاولة العملية الطموحة والفاشلة لحماس، عشية العيد في معبر كرم سالم، تدل على أن الحركة مستعدة لأن تخاطر كثيراً الآن كي تحقق هدفين: رفع الحصار الاقتصادي الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة، وتحقيق أوراق مساومة ــــ جنود مخطوفون آخرون ــــ لغرض إعادة تحريك المفاوضات على تحرير السجناء الفلسطينيين في مقابل جلعاد شاليط».
ورأى هرئل أنه «فيما يحاول وسطاء مختلفون من الحكم المصري وحتى الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر تحقيق وقف نار في القطاع، يتبيّن أن الإغراء العملياتي كان أكبر للذراع العسكرية لحماس. فرجالها الذين خططوا، بتقدير الجيش الإسرائيلي، للعملية على مدى أشهر، اعتقدوا بأنهم وجدوا ثغرة آمنة في منظومة الدفاع الإسرائيلية. فالمعابر التي تعمل في صيغة مقلّصة جداً عقب الحصار، بقيت نقاط الاحتكاك الأساسية بين إسرائيل والفلسطينيين، ولهذا فإنها تصبح هدفاً مفضّلاً من ناحية حماس».
وإذ يرى هرئل أن ضرب المعابر كفيل بأن يشجع إسرائيل على تشديد العقوبات، إلا أنه يعتقد بأن «هذا ليس تطورّاً سيّئاً بالضرورة في نظر حماس، ذلك أن احتدام الأزمة كفيل في نهاية المطاف بأن يحدث التغيير. فمثلاً من خلال أزمة شديدة في القطاع، في ختامها يحصل تدخّل دولي، يفرض على إسرائيل إعادة فتح المعابر».
ويشير هرئل إلى أنه «كان للعملية هدف آخر يرتبط بالذات بالجهود لتثبيت تهدئة موقّتة، على اعتبار أن حماس ترغب في التهدئة، ولكنها تسعى للوصول إليها من موقع قوة. فقيادة حماس في القطاع تفهم جيداً الاضطرارات التي توجد الآن أمام إسرائيل، غير المعنية بحملة عسكرية واسعة في غزة، على الأقل في الشهر المقبل، بين الفصح ويوم الاستقلال وزيارة الرئيس (الأميركي جورج) بوش لمناسبة احتفالات الستين لقيام الدولة، فتجنيد الاحتياط ليس إمكانية مفضّلة، أو حتى معقولة، في نظر القيادة السياسية في القدس».
وقال هرئل إنه «لو سجّل لحماس نجاح عملياتي في العملية الأخيرة، لتمكنت من الحفاظ على عطف الجمهور الغزاوي، حتى لو وافقت قريباً على تهدئة تجبرها على وقف النار، بل وكبح جماح نشاط الفصائل الأصغر والأكثر تطرفاً». وفي «معاريف»، وصف أمير بوحبوط ما يحصل على الحدود مع غزة بأنه «حرب معابر»، و«محاولة من الفلسطينيين لاستنزافنا كي يخلقوا واقعاً جديداً».