strong>تل أبيب تسعى إلى التقليل من أهميّتها... ومخاوف من تأثيرها على يهود أميركا
مهدي السيد
خيّمت قضية الجاسوس الإسرائيلي بن عامي كاديش، أمس، على اهتمامات الأوساط الإسرائيلية، التي ركزت بشكل أساسي على الحرج الذي تسببه لإسرائيل بشكل عام وليهود أميركا بشكل خاص، وعلى تداعياتها المحتملة على العلاقات الأميركية ـــ الإسرائيلية في هذا التوقيت بالذات، وخصوصاً أنها ليست القضية الأمنية الأولى بين الدولتين، إذ سبق لإسرائيل أن أكدت لواشنطن بعد القبض على الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد في عام 1985، أنها لم ولن تشغل جواسيس آخرين في الولايات المتحدة.
وكان الكشف عن القضية قد عصف بشدة في إسرائيل، وعبّر مسؤولون عن أملهم في ألا تُوتر الأجواء مع الولايات المتحدة، وخصوصاً مع اقتراب موعد زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى إسرائيل في منتصف شهر أيار المقبل.
ومع ذلك، حاول عدد من المسؤولين الإسرائيليين التقليل من أهمية التداعيات السلبية المتوقعة، حيث أكد مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، لوكالة «فرانس برس»، أن «قضية التجسس بين الولايات المتحدة وإسرائيل لن تؤثر على العلاقات بين البلدين».
وقال المسؤول، طالباً عدم كشف اسمه، «إن هذه القضية تثير ارتباكاً آنياً، لكنها لن تؤثر سلباً على العلاقات المميزة بين إسرائيل والولايات المتحدة». وأضاف أن «لا مصلحة لدى أي من البلدين في تسميم الأمور. ينتظر قدوم الرئيس الأميركي جورج بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس مطلع أيار. وهما يرغبان في التشجيع على إبرام اتفاق إسرائيلي ـــ فلسطيني قبل نهاية ولاية بوش، وأي أزمة بين البلدين لا يمكن إلا أن تسيء إلى مثل هذا المشروع».
في المقابل، حذرت «يديعوت أحرونوت» من أنه يمكن أن يكون للقضية مضاعفات على الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي ستجري في تشرين الثاني المقبل. ونقلت عن مصادر في إسرائيل قولها إن «القضية كفيلة بأن تحرج يهود الولايات المتحدة، الذين يغازلهم المرشحون المختلفون». وأضافت «أن يكون المرء يهودياً في الولايات المتحدة في ظل قضية تجسس كهذه ليس أمراً سهلاً. العناصر غير المتعاطفة مع إسرائيل ستطرح من جديد مسألة إشكالية الولاء المزدوج ليهود الولايات المتحدة».
وفي محاولة لتدارك ما أمكن من مضاعفات القضية، ذكرت «معاريف» أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أجرت مكالمات هاتفية مع مسؤولين رفيعي المستوى في شعبة أميركا الشمالية، في محاولة لبلورة تقدير وضع في شأن نسبة الضرر الذي ستلحقه القضية بالعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية الإسرائيلية قوله إن «هذا بالتأكيد ليس خبراً سعيداً، لكن من جهة ثانية يجب عدم المبالغة في أهميته». وأضاف أن «قضية بولارد كانت الهزة الكبيرة في تاريخ علاقات إسرائيل ـــ الولايات المتحدة، لكن ينبغي إدراك أن الاتهام الحالي يعود إلى السبعينيات وبداية الثمانينيات. والقيادة السياسية الإسرائيلية الحالية، بأمانة، لم تكن على علم بهذه الرواية، إذا كانت على العموم صحيحة، لكن الانعكاسات على العلاقات اليوم ستكون مقلصة نسبياً».
لكن على الرغم من إعراب مسؤولين سياسيين إسرائيليين عن تخوفهم من تضرر العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في أعقاب الكشف عن هذه القضية، كان لافتاً، خاصة، غياب أي تعليق رسمي مباشر من رأس الهرم السياسي للسلطة في إسرائيل المتمثل برئيس الحكومة إيهود أولمرت، وزير الدفاع إيهود باراك، ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، بحجة أن الثلاثة يقضون إجازة عيد الفصح. واقتصر الأمر على تقارير إعلامية أفادت بأن أولمرت أصدر تعليمات لطاقم مكتبه بإجراء تدقيق شامل في علاقة إسرائيل مع كاديش، وما إذا جرى تجنيده من جانب الاستخبارات الإسرائيلية.
وفي ظل غياب تعليقات كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في إسرائيل، كان لافتاً ما نقلته «معاريف» عن مصادر إسرائيلية وصفتها بأنها رفيعة المستوى، وعلى اطلاع جيّد بهذه القضية، لجهة تحذيرها من أنّه «من المناسب جداً هذه المرّة، إذا صحّت الادعاءات، ألاّ تتصرف إسرائيل كأنها جمهورية الموز أو دولة تابعة».
في هذه الأثناء، علّق أعضاء الكنيست الإسرائيليون على القضيّة، فرأى عضو لجنة الخارجية والأمن، يوفال شطاينيتس، أن «قضية كاديش، على الرغم من أنها محرجة لإسرائيل، إلا أنها لن تؤثر على العلاقات الإسرائيلية ـــ الأميركية».
وقال رئيس «الموساد» السابق، عضو الكنيست داني ياتوم، إن «ما يثير استياء الأميركيين على ما يبدو هو أننا أكدنا لهم أن بولارد كان عميلنا الوحيد، وهذه القضية يمكن أن تثير تساؤلات». ونفى مقربون من الوزير الإسرائيلي رافي إيتان أي علاقة للأخير بكاديش، علماً بأن إيتان كان مسؤول الاستخبارات الإسرائيلية حين جُنّد بولارد.
تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قدمت لائحة اتهام ضد كاديش، جاء فيها أنه سلّم إسرائيل وثائق بالغة السرية تتعلق بسلاح نووي وصفقة بيع طائرات مقاتلة من طراز «إف ـــ15» للسعودية، وخصوصاً الأجهزة الموجودة في هذه الطائرات، ومعلومات عن منظومة صواريخ «باتريوت» المضادة للصواريخ.
وبحسب لائحة الاتهام، فإن كاديش، البالغ الآن 83 عاماً، وكان يعمل مهندساً عسكرياً، زوّد مشغله الإسرائيلي يوسي ياغور، الذي عمل في القنصلية الإسرائيلية في نيويورك، بالوثائق خلال الأعوام 1975ـــ1981. وكان ياغور يحضر إلى منزل كاديش في ساعات الليل ويصوّران الوثائق في قبو المنزل، ثم يعيد كاديش هذه الوثائق إلى أرشيفها في صبيحة اليوم التالي.
وقال مكتب التحقيقات الفدرالي إن كاديش اعترف في نهاية الأمر بأنه سلّم وثائق سرية لإسرائيل، وأُطلق سراحه بكفالة قيمتها 300 ألف دولار.


توقيت الكشف عن القضيّة ليس صدفة!
إلى جانب الأهمية الكامنة في الكشف عن قضية التجسس، أثار توقيته اهتماماً كبيراً في إسرائيل، واحتل المكان الأول في الأحاديث الخاصة بين الوزراء الإسرائيليين، بحسب «يديعوت أحرونوت»، التي نقلت عن أحدهم قوله إن «توقيت النشر ليس عفوياً». واتهم هذا الوزير محافل أمنية أميركية والقضاء الفدرالي الأميركي بأنه يقف وراء التوقيت، بسبب خشيته قيام الرئيس جورج بوش بمبادرة للإفراج عن جوناثان بولارد قبل مغادرته البيت الأبيض. وتساءلت محافل في إسرائيل أيضاً عما إذا كان توقيت القضية يرمي إلى المس بزيارة بوش إلى إسرائيل. وتساءلت «الزيارة يفترض أن تكون حميمة واحتفالية. فهل لنشر تفاصيل القضية صلة بتوقيت زيارة بوش إلى البلاد؟ من الصعب المعرفة. ولكن بالتأكيد لن يكون هذا مريحاً للطرفين».
بدوره، تطرق سفير إسرائيل السابق في واشنطن، زلمان شوفال، إلى القضية فقال لـ«معاريف» إن «السؤال الذي يجب أن نطرحه في الحقيقة، هو لماذا الآن بالذات ينشرون هذه القضية، بعد كل هذا الوقت؟ هل هذا مرتبط بخلافات في مواضيع أخرى؟ هل هذا مرتبط بالاتصالات بشأن إطلاق سراح بولارد؟ أو ربما لتحسين العلاقات بين البنتاغون وإسرائيل؟ أنا لا أقول ما إذا كان هذا صحيحاً أم لا، ولكن يجب أن نطرح هذا السؤال؟».
وفي السياق، نقلت «معاريف» عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله «لا ريب في أن قضية تجسس كهذه في أجواء غير مريحة أبداً لإسرائيل. كانت هناك أحاديث عن أنه مع حلول احتفالات الستين للدولة والزيارة التي سيقوم بها بوش إلى إسرائيل، سيقدم بادرة طيبة فيحرر بولارد. أما الآن فيبدو هذا أكثر تعقيداً».
لكنّ مراقبين يرون أن المفارقة في توقيت النشر عن القضية تكمن في أنه جاء مريحاً للمسؤولين الإسرائيليين الذين يقضون إجازة عيد الفصح، الأمر الذي أعفاهم من حرج التعليق على القضية.
(الأخبار)