حكاية «مكتب الارتباط العلمي» الإسرائيلي
محمد بديرخلال التحقيق معه، تبيّن أن بولارد، الذي كان يعمل موظفاً مدنياً في مركز مكافحة الإرهاب التابع للبحرية الأميركية، جُنّد قبل أعوام للعمل لمصلحة الاستخبارات الإسرائيلية التي اعترف بتسليمها آلاف الوثائق السرية التابعة لمختلف أجهزة الاستخبارات الأميركية، التي كان يملك حق الاطلاع عليها بحكم عمله.
وكان بولارد قد عرض خدماته الاستخبارية على «الموساد» الإسرائيلي الذي رفضها، فعاد وجدد العرض عام 1982 على أحد ضباط سلاح الجو الإسرائيلي خلال وجود الأخير في الولايات المتحدة لأغراض تدريبية. الضابط، أفيعام سيلاع، نقل العرض إلى قائد سلاح الجو، عاموس لبيدوت، ومنه إلى رئيس الأركان، موشي ليفي، وفي نهاية مداولات مكثّفة شارك فيها المستوى السياسي، تقرر أن يعهد بمهمة تشغيل بولارد إلى «مكتب الارتباط العلمي».
المكتب المذكور كان إحدى الوحدات السرية التي لم يكن قد كُشف عن وجودها قبل حادثة بولارد. تأسس عام 1957 تنفيذاً لقرار اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، دافيد بن غوريون، قضى بالعمل على تحصيل معلومات علمية هدفها إقامة مفاعل نووي في دولة إسرائيل. أحاطت السرية بإنشاء الوحدة الجديدة في وزارة الدفاع، وبحسب التقارير الإسرائيلية، بقي أمر وجودها مجهولاً لفترة طويلة، ليس فقط بالنسبة إلى أجهزة الاستخبارات العالمية، بل أيضاً بالنسبة إلى نظيراتها الإسرائيلية. مع الوقت، تعززت صلاحيات المكتب، وتحول إلى قسم تابع للموساد، حيث بدأ بتجنيد عملاء وتشغيلهم في أنحاء العالم، وأديروا من جانب شبكة من «الملحقين العلميين» في السفارات الإسرائيلية، في الدول الغربية على وجه الخصوص. وتمحورت المهمات الأساسية التي كُلّف بها هؤلاء العملاء حول جمع المعلومات التكنولوجية لمصلحة المشروع النووي الإسرائيلي في ديمونا، وكذلك لمصلحة الصناعات العسكرية في أوجهها المختلفة.
في الفترة التي اعتقل فيها بولارد، رأس المكتب وزير شؤون المتقاعدين الحالي في إسرائيل، رافي إيتان، المعروف بتاريخه الطويل في مجال العمل الاستخباري في كل من «الشاباك» و«الموساد» ومكتب رئيس الحكومة. أما المسؤول المباشر عن تشغيل بولارد، فكان الملحق العلمي الإسرائيلي في واشنطن، يوسي ياغور، المتهم أيضاً الآن بأنه كان الضابط المسؤول عن إدارة بن عامي كاديش.
واعتاد ياغور، أو أحد مساعديه، لقاء بولارد في نهايات الأسابيع وتسلّم الوثائق السرية منه في شقة سرية في واشنطن، حيث كانت تُصوّر وتُعاد إليه مطلع كل أسبوع.
وفي أعقاب اكتشاف أمر بولارد، فرّ ياغور ونائبه، إيلان رابيد، وسكرتيرته، إيريت إيريف، من الولايات المتحدة، إلا أن الحكومة الإسرائيلية اضطرت، تحت الضغط الأميركي، إلى تأليف لجنة تحقيق في القضية، وإلى التعاون مع التحقيقات الأميركية إلى درجة أتاحت فيها لوفد من المحققين الفدراليين استجواب كل من إيتان وياغور في إسرائيل.
كذلك اضطرت تل أبيب إلى تقديم اعتذار رسمي إلى واشنطن على خلفية القضية، وتعهّدت بعدم تكرارها، وفي وقت لاحق أعلنت حلّ مكتب الارتباط العلمي.