مهدي السيدبقيت معضلة غزة موضع اهتمام الصحافة الإسرائيلية التي كانت استبشرت خيراً مع إعلان العدوان الأخير على القطاع، «شتاء حار»، فإذا بها تجد نفسها مجدداً أسيرة دوامة الأسئلة التي لا تنتهي عن أفضلية خيارات التعاطي مع هذه المعضلة.
وإذا كان ثمة من علق الآمال على أن تفضي العملية العدوانية «شتاء حار» إلى تكريس معادلة إسرائيلية جديدة، في مقابل فصائل المقاومة في قطاع غزة، فسرعان ما خاب أملهم، على اعتبار أن النتائج التي أفضت إليها تلك العملية أعادت تأجيج السجال الإسرائيلي الحاد حول الخيار الأنجع في مواجهة التحدي الذي تطرحه صواريخ المقاومة في غزة، حيث برز بشكل لافت اتساع قوس المنادين بضرورة التفكير جدّياً في خيار التفاوض مع «حماس»، على خلفية فشل الخيارات الأخرى أو عقمها، أو حتى تهرباً من كلفتها العالية ونتيجتها غير المضمونة. ويأتي هذا الخيار إلى جانب انتشار الخيارات الأخرى الداعية إلى استخدام المزيد من العنف ومن الجرائم ضد الفلسطينيين وقياداتهم.
وفي هذا المجال، اعتبر ابراهام تيروش، في «معاريف»، أن «العملية الأخيرة لم تحرز الأهداف الكبيرة بيقين، ولا يمكن أن تُحرز البتة بعملية محدودة كهذه»، مشيراً إلى أنه «لم يتم القضاء على قوة إطلاق صواريخ حماس ووسائلها، بل قويت شوكتها في القطاع. كما أن من اعتمد على أن تفضي الهجمات الكثيفة إلى ثورة ضد حماس، إلى حد إسقاطها، كان يحلم أحلام اليقظة، وفوق ذلك أدّى هجوم الجيش الإسرائيلي إلى توسيع تأثير حماس نحو الضفة».
على هذا الأساس، يرى تيروش أن «لا عجب إذاً من أن تحتفل حماس بالنصر، على رغم الدمار والخسائر التي أصابتها. فهي عندها قوة تحمّل أكبر مما عندنا، وهي كذلك مثل حزب الله، لا تحتاج إلى نصر حقيقي للاحتفال. فهي لا تعدّ قتلاها، بل تعدّ القذائف والصواريخ التي أصابت إسرائيل، وهي تقيس تأييدها في غزة وفي الضفة إزاء الضغط والهستيريا في سديروت وعسقلان».
في ظل هذا الواقع، يرى تيروش أن «الحل المرفوض والأحمق والخطر أيضاً، هو احتلال القطاع من جديد وتطهيره، لأنه غير مجد، وأنه في اللحظة التي سنخرج من هنالك، سيعود كل شيء إلى ما كان عليه».
وعليه، فالحل الذي يرجحه تيروش والذي يراه أكثر واقعية، وإن كان لا يخلو من الإشكال، هو «محادثة حماس والاتفاق معها على وقف النار لفترة طويلة». وهو يعتقد أنه يجب «التحادث الآن، قبل أن نتورط ونغرق في الوحل، هذا هو السبيل».
في المقابل، يرفض الوزير السابق والكاتب الحالي في «معاريف»، طومي لبيد، طرح تيروش، ويرى أنه من المحظور التحدث مع «حماس».
ويعلل لبيد رفضه بالقول إن التفاوض مع «حماس» «يعني الاعتراف غير المباشر بها. وهذا يأتي في الوقت الذي لا تعترف هي بوجودنا وحقنا. التفاوض مع حماس يعني الاعتراف بالإرهاب كوسيلة ضغط ناجعة ضد إسرائيل. التفاوض مع حماس يعني تحطيم المقاطعة الدولية المضروبة على حماس. التفاوض معها سيحوّل مساعي أبو مازن للتوصل إلى تسوية مع إسرائيل بالطرق السلمية إلى أضحوكة. التحدث معها، حتى وإن أدى إلى وقف مؤقت لإطلاق النار، سيمنحها مهلة للتسلح وتكثيف الإرهاب ضد إسرائيل. بعد سديروت وعسقلان، ستقف تل أبيب وأسدود في الطابور».
ويرى لبيد أنه لا يمكن لإسرائيل أن تقف مكتوفة الأيدي، وأنه «ليس أمامها من خيار إلا ضرب الفلسطينيين بقوة، وإن لم يجدِ ذلك نفعاً فمزيداً من القوة». ويوضح مقصده بأنه «لا يطالب باحتلال غزة بل قصفها بالمزيد».
وفي «يديعوت أحرونوت»، رأى عاموس كرميل أنه «لا يلوح في الأفق نظام لإحباط فعّال للصواريخ، وأن قوة ردع عمليات مثل شتاء حار تبدو محدودة، بينما ستكلف معركة عسكرية واسعة، حسب جميع الدلائل، ثمناً دموياً باهظاً للقوات الإسرائيلية أيضاً، وليس هناك احتمال تقريباً لأن تفضي إلى تسوية معقولة، فيما لا تزال الحاجة إلى هدم السلطة الأصولية المعادية لإسرائيل في غزة، على حالها».
والنتيجة التي يخلص إليها كرميل هي أنه «يجب حصر جهد الإحباط في مصادر إطلاق النار الموجودة بين السكان الفلسطينيين»، مشيراً إلى أن «هذه المصادر هي أولئك الذين يعطون الأوامر، بضع عشرات من الناس، من إسماعيل هنية ومحمود الزهار، ممن يرأسون قيادة حماس والجهاد الإسلامي».
من جهته، انتقد وزير الدفاع الأسبق موشيه أرينس، في «هآرتس»، أداء القيادة الإسرائيلية في مواجهة غزة، لا سيما رئيس الوزراء إيهود أولمرت ووزير الدفاع إيهود باراك، مشيراً إلى «أنهم لم يتعلموا شيئاً من فشلهم السابق في لبنان».
ويرى أرينس أن «الطريقة الوحيدة للدفاع عن مواطني إسرائيل من الهجمات الصاروخية القصيرة المدى تتمثل في نشر قوات برية في مناطق إطلاق الصواريخ، وأنه لا بديل من ذلك».
وقال أرينس إن «مسيرات الانتصار في قطاع غزة بعد انسحاب القوات البرية كانت متوقعة. على غرار حرب لبنان الثانية، إن من ينجح في إطلاق الصاورخ الأخير هو الذي يعتبر منتصراً في نظر المشاهدين في الشرق الأوسط. وليس في نظرهم فقط. هذه ضربة أخرى لقدرة إسرائيل الردعية. كل الأحاديث حول الضرر الذي يلحق بحماس لا تأخذ شعورها بالانتصار بالحسبان، ذلك لأنهم انتصروا وفقاً لرؤيتهم، والتعزيز الذي يحصلون عليه من ذلك لمواصلة هجماتهم على المدنيين الإسرائيليين».