عمان | أعاد تقديم السفير الأردني المقيم في وزارة الخارجية، منذر الخصاونة، استقالته الاحتجاجية، التساؤلات من جديد، حول وزير الخارجية ناصر جودة، الموصوف محلياً بالعابر للحكومات التي يكثر في الأردن تأليفها وحلها بأمر من الملك. الخصاونة بيّن في حديث إلى «الأخبار» أن «الخارجية» حاولت حرف الحقائق حول استقالته عبر اتهامه بالإساءة لمقامات عليا مقابل الأسباب الحقيقية في التعسف والتهميش الذي يمارسه جودة بحق عدد من السفراء والدبلوماسيين في الوزارة.
يروي السفير المستقيل أسباب خطوته بالقول: «خدمت في وزارة الخارجية منذ 30 عاماً، وخلال عام 2011 جرى ترفيعي إلى رتبة سفير، ومنذ ذلك التاريخ والوزير ناصر يعين سفراء ممن هم أقل خدمة مني، وآخر ذلك تعيين نجل رئيس الوزراء (زهير عبد الله النسور) سفيراً لدى مسقط». وتساءل: «كيف لا أعترض على قرار الوزير وهو من خدع مجلس الأمة عندما تحدث تحت قبة البرلمان عن أن الظلم يقع على نجل الرئيس منذ سنتين، وحان الوقت لرفع هذا الظلم لتعيينه سفيراً؟»، مستدركا: «الحقيقة أن نجل الرئيس هو برتبة وزير مفوض، ولم يكن قد مضى على عودته من تركيا سوى سنتين، وهو ليس سفيرا... لم يشملني الظلم وحدي، بل هناك أشخاص آخرون من السفراء».
غلبت المحسوبية وتنفيع المقربين والأصدقاء على إدارة وزير الخارجية

ويضيف الخصاونة: «مارس جودة ظلمه بحق السفراء كلهم، كباسم خريس الذي أحيل على التقاعد وهو في سن 58 عاماً».
الخصاونة دوّن على صفحته «فايسبوك» قائلا: «ارفع رأسك فوق عندما يتساوى الأردنيون في الحقوق والواجبات. ارفع رأسك فوق عندما تجرؤ وتقول للكاذب المنافق كذاب بعينك، ولا تحاسب صاحب سلطة. ارفع رأسك فوق عندما يميز وزير الخارجية بين أبناء الوطن في وزارته، وعندما يكافأ معاليه ويصبح نائب رئيس وزراء».
عن الدوافع وراء ما كتب، يقول: «مرت عدة سنوات على تولي جودة أمانة مسؤولية وزارة الخارجية، وعشت فيها قراراته الظالمة التي تجاوزتني وزملاء آخرين إلى من هم أقل رتبة وأحدث خدمة، لكنهم رفعوا باعتبارات شخصية لدى الوزير، والأمثلة على ذلك كثيرة، وما يمنعني من ذكر الأسماء هو عدم استئذانهم بعد في الحديث».
في المقابل، فإن المتحدثة باسم وزارة الخارجية، صباح الرافعي، قالت في بيان، إن السفير منذر الخصاونة قدم استقالته إثر استدعائه من الأمين العام للوزارة والمفتش العام فيها، لكتابته عبارات «مسيئة» و«لا تليق بسفير» في وزارة الخارجية. وأوضحت الرافعي أن «الخارجية» طلبت من الخصاونة تقديم تفسيرات لهذا التصرف «الذي يعدّ خروجاً عن العرف وآداب الوظيفة».
منشور الخصاونة تلا خطاب الملك، عبد الله الثاني، «العاطفي»، مساء الثلاثاء الماضي، الذي أطلق فيه عبد الله شعار «ارفع رأسك انت أردني»، باعتبار المملكة بلداً مستقراً وسط دول تتنازعها النزاعات العرقية والطائفية، ما استدعى من النائب في مجلس النواب، طارق خوري، أن يكتب على صفحته على «فايسبوك»: «ارفع رأسك وسترفعه اكثر عندما تطرد من يتمنى كسر رأسنا كلنا: سفير الكيان الصهيوني، ارفع رأسك وسترفعه أكثر عندما نلغي اتفاقيه طأطأة الرأس وانحناء الرقبة والظهر: اتفاقيه وادي عربه». وأضاف: «ارفع رأسك وسترفعه أكثر عندما تكتشف أن الاتفاقية التي وقّعها وزير المياه (مع إسرائيل) من أيام هي كابوس مررت به لا واقع»، وأضاف بنوع من التهكم: «ارفع رأسك وسترفعه أكثر عندما يحارب وطنك الصهاينه وجبهة النصرة وداعش معاً لأنهم ذات العصابة وأصحاب فكر واحد وهدف واحد».
تعقيبا على المشهد، يقول مدير مركز «دافع للحريات وحقوق الانسان»، إسلام صوالحة، إن «وزير الخارجية الموجود في منصبه منذ أكثر من ستة أعوام تضخم إلى درجة لم يستطع معها تقبل انتقاد، حتى إنه حاول تسويق اتهامات ضد السفير المستقيل بأنه يتهكم على الملك». ولا يرى صوالحة جديداً في «اختباء جودة وبعض المسؤولين خلف عباءة الملك»، ويقول: «بعيداً عن الجدل حول أحقية الموظف العام في انتقاد الوزير علنا، الذي شغلت الصحافة الاردنية نفسها به في تناولها للقضية، الا أن موقف السفير الخصاونة بحسب صوالحة كسر حاجز الصمت نيابة عن كثير من زملائه، وكشف العقلية التي تدار بها وزارة الخارجية، ولا يخفى أن جودة كافأه رئيس الوزراء (عبدالله النسور) بتعيينه نائباً له في التعديل الوزاري الأخير، بعدما عين جودة نجل النسور سفيراً في عمان، في سابقة قد تكون الأولى من نوعها في تاريخ الوزارة».
ويقول آخرون إن الخصاونة ما كان لينشر ما نشره على «فايسبوك» لولا يقينه بأن السلطات الرقابية في البلاد عاجزة عن محاسبة جودة أو مساءلته، كما تابع «مركز دافع» قضية استقالة السفير والاتهامات التي أوردها في نص استقالته ضد وزير الخارجية. وقال المركز في بيان، أمس، إن «مضمون استقالة الخصاونة يكشف مزاعم حول انتهاك حقوقي تعرض له الأخير تستدعي التحقيق الجاد من الحكومة والجهات الرقابية».
بكل الأحوال، هذه ليست المرة الأولى التي يوجّه فيها سفراء انتقادات لوزير الخارجية الذي تسلم حقيبة وزارة الخارجية منذ 2008، فقد شن السفير، موفق العجلوني، هجوماً على جودة نهاية العام الماضي، متهماً إياه بالإساءة لحقوق الإنسان وإهمال السفراء في الخارج، وعدم الأخذ بتقاريرهم الأمنية والسياسية.
العجلوني قال في رسالته، إن جودة «كان يتخذ قراراته بناء على نصائح سفراء دول أجنبية، الأمر الذي أوقع الأردن في حرج وأضر بمصالح المملكة وسمعتها الإقليمية والدولية».
ومن الأسباب التي تتردد لاستياء سفراء في وزارة الخارجية من جودة تعيين نواف التل سفيراً من خارج كادر الوزارة، وتعيين زيد اللوزي سفيراً في روما مباشرة بعد انهاء مهمته في إسبانيا من دون الرجوع إلى المركز (برغم الاستياء من دوره السلبي في البلدين)، وليس أخيرا تعيين ابن رئيس الوزراء ومنحه وساما، وكذلك تعيين مكرم القيسي سفيراً لدى باريس مباشرة بعد إنهاء مهمته سفيراً في النمسا، وفوق ذلك تعيين مالك الطوال في البرازيل مباشرة بعد إنهاء انتدابه لرئاسة الوزراء... وتعيين عمر النهار في كوريا، وعبدالله أبورمان في إيران، وهما من خارج كادر الوزارة.