القاهرة | بعد نحو تسعة شهور من تكليف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حكومته (قبل إجراء التعديل الوزاري فيها) إعداد تشريع جديد للاستثمار، أقرت الحكومة مؤخراً عدداً من التعديلات على القوانين الحالية، غالبيتها تضمن مزيداً من الامتيازات والإعفاءات للمستثمرين التي تصل إلى حد إهداء أراضي الدولة للمستثمر، فضلاً على تخصيصها منافذ جمركية خاصة لصادرات وواردات المشروع الاستثماري الأجنبي، وتخفيض أسعار الطاقة على المستثمرين، إلى جانب تحمل الدولة تكاليف تدريب العاملين والتأمين عليهم.
كل ذلك يجرى من دون تحديد ضوابط ومعايير تحكم منح هذه الحوافز، وكذلك آليات واضحة للحصول عليها، وهو ما سيكون سلاحاً ذا حدين؛ إذ تستطيع القاهرة بذلك جذب المستثمرين الراغبين في الحصول على الامتيازات غير المشروطة، في الوقت الذي قد يساهم فيه بنفور مستثمرين آخرين يقلقهم إغفال النصوص القانونية تحديد الجهة الحكومية المسؤولة عن إصدار التراخيص والموافقات، وخصوصاً أن مسودة القانون، الذي عرضته الحكومة على السيسي لإصداره بقرار جمهوري، تركت للرئيس مهمة التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية بالترخيص للمشروعات بعدما كان الخلاف سيد الموقف بينها.
سترحل نقاط الخلاف في القانون إلى مجلس يرأسه السيسي
الآن، كل مؤسسات الدولة تستعد للمؤتمر الاقتصادي الذي سيعقد في منتصف الشهر الجاري، على أمل جذب استثمارات تصل إلى 15 مليار دولار. الاستعداد للمؤتمر بحد ذاته يطغى على ضرورة أن تعد الدولة ملفات كاملة عن تشريعاتها الاقتصادية إلى جانب خرائط توضح الأماكن التي تريد الاستثمار فيها، أو حتى الأنشطة والمجالات التي يجب أن تكون بيئة للاستثمار، كي يعرض كل ذلك على المدعوين إلى المؤتمر، وإلا فسيكون اجتماعاً بلا جدوى اقتصادية تخدم طرفي المعادلة، الجانب المصري أو المستثمر العربي والأجنبي... وإلا فسيتحول إلى «كرنفال» لإعلان المشروعات التي أبرمتها الحكومة خلال المدة الماضية، ثم الوعود بتلقي المنح والهبات!
عموماً، فإن جل اهتمامات الحكومة انصب على إدخال اللمسات الأخيرة على المسودة الرقم 15 من قانون الاستثمار الموحد التي قدمت قبل أيام، بناء على طلب السيسي إعداده بعجالة منذ حزيران الماضي. برغم ذلك، جاءت المسودة الأخيرة للقانون لتحوي مزيجاً بين تعديلات على القانون الحالي لحوافز وضمانات الاستثمار، وبين المواد التي طرحها وزير الاستثمار، أشرف سالمان، في المسودة الرقم 13 من القانون وقدمت إلى اللجنة العليا للإصلاح التشريعي (راجع العدد ٢٤٩٢ في ١٤ كانون الثاني) قبل أن يرفضها المستثمرون، كما رفضتها اللجنة الاقتصادية المنبثقة عن «العليا للإصلاح التشريعي»، مبررة الرفض بأن مسودة وزير الاستثمار تتضمن 32 «عواراً» دستوريّاً.
ومع أن فلسفة القانون تقوم في الأساس على التصدي للبيروقراطية والروتين، فإن المسودة الأخيرة تستند إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، مهمة حسم الأمور الخلافية للقانون، وكأن الرئيس سيتفرغ لكتابة اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار في الأيام المقبلة، فتحايل على تمسك وزارات الدولة بولايتها على الأراضي التابعة لها عبر إسناد آليات التنسيق المباشر بين الجهات الوزارية المعنية بتنفيذ القانون، إليه! اللافت أن وزير الاستثمار رأى أن هذه الخطوة أمر إيجابي. يقول سالمان لـ«الأخبار»، إن «وجود السيسي على رأس الاستثمار في مصر من شأنه إنهاء العراقيل التي قد تواجه المستثمر»، مستدركاً: «إصدار قانون الاستثمار سيتبعه تأليف الرئيس مجلساً أعلى برئاسته، يتولى وضع الاستراتيجية العامة للاستثمار في الجمهورية». وأوضح الوزير أن النقاط الخلافية يمكن الانتهاء منها عند إعداد اللائحة التنفيذية للقانون خلال 18 شهراً مقبلة، وستتضمن بوضوح «كيفية تنفيذ آلية نظام الشباك الواحد الذي يوفر للمستثمر كل التراخيص والموافقات التي يحتاج إليها».
وبشأن حديث سالمان، رأى مصدر في وزارة العدالة الانتقالية أن فيه دليلاً على قصور المسودة المقترحة من وزير الاستثمار ذاته، لافتاً إلى أن سالمان حرص على تضمين مسودته الثانية الكثير من الامتيازات والإعفاءات «دون أن يقابلها أي مسؤولية من طرف المستثمر». ونبّه المصدر إلى أن القانون ينص في إحدى مواده على أنه «خلال خمس سنوات، تنتهي في أول نيسان 2020، يجوز في المناطق، التي يصدر بتحديدها قرار من الرئيس بعد موافقة مجلس الوزراء، التصرف من دون مقابل، وذلك في الأراضي والعقارات المملوكة للدولة كملكية خاصة للمستثمرين الذين تتوافر فيهم الشروط الفنية والمالية»، كما يسري ذلك أكان التصرف دون مقابل (لـ 5 سنوات)، أو بنظام حق الانتفاع (لـ30 سنة)، أو حتى بالتملك أو أي صورة أخرى.
وبرغم غياب نص مقابل يلزم المستثمر أي إجراءات للحصول على تلك الامتيازات، فإن القانون حرص على النأي، وفقاً للمصدر، عن قاعدة معينة مثل تلك التي يوفرها قانون المناقصات والمزايدات المطبق بالفعل، والأخير يحظر على أي من وزارات الدولة التعاقد على مشروع أو خلافه من دون إجراء مناقصة علنية. وفي الوضع الحالي، نص القانون على أنه «في حال التزاحم بين الشركات والمنشآت ممن تتوافر فيها الشروط الفنية والمالية اللازمة لتمويل المشروعات» تجري بينها قرعة وفق ضوابط وإجراءات لم يحددها القانون، وتركها للائحة التنفيذية أيضاً!