strong>عكست الصحف الإسرائيلية في تعليقاتها على عملية القدس الاستشهادية، أجواء اليأس والإحباط والتخبط التي شكلت قاسماً مشتركاً بين جميع المستويات الإسرائيلية، السياسية والأمنية والشعبية، الأمر الذي وجد تعبيراً له في تكرار طرح السؤال الأحجية، ألا هو: كيف السبيل إلى الخروج من دوامة النار التي ما فتئت تضرب الاحتلال وجيشه وجبهته الداخلية؟
مهدي السيد
أعادت عملية القدس الاستشهادية إلى بساط البحث معضلة إسرائيل في مواجهة عمليات المقاومة الفلسطينية، في العمق الإسرائيلي، بعد فترة طويلة نسبياً من نجاة الجبهة الداخلية والخاصرة الرخوة للمجتمع والدولة في إسرائيل، من أهوال هذه العمليات، ما أعاد إلى الذاكرة الجماعية والفردية الإسرائيلية صورا كادت أن تُنسى، بعدما كانت الأنظار شاخصة باتجاه الجنوب، إلى قطاع غزة.
في هذا المجال، حذر رون بن يشاي، في «يديعوت أحرونوت»، من إمكان أن تكون الانتفاضة الثالثة على الطريق. ورأى أنه ثمة أمام الحكومة الإسرائيلية طريقتي عمل محتملتين. الأولى، القبول بالاقتراح المصري الذي سيُعرض بعد المفاوضات مع «حماس» والموافقة على وقف النار. والثاني، هو عدم القبول بشروط «حماس»، ومضاعفة الضغط العسكري على القطاع، وفقاً للمسار الذي أعلنه المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في جلسته يوم الأربعاء الماضي.
وأضاف أنه «إذا قررت الحكومة تصعيد القتال ضد حماس، يتعين الاستعداد والتهيؤ لقتال طويل على كل الجبهات، بما في ذلك إمكان محاولة حزب الله الانضمام إلى القتال». ورأى أنه «ليس الجيش الإسرائيلي وحده من ينبغي له الاستعداد جيداً لمثل هذا الاحتمال، بل يتعين على الجبهة الداخلية أن تستعد أيضاً، ولا سيما مستوطنات الجنوب، بما في ذلك إمكان إخلاء النساء والأطفال. وينبغي أيضاً القيام بنشاط سياسي يُحضر الأرضية على الحلبة الدولية ويجند التفهم لدوافع إسرائيل».
بدوره، عاد المراسل السياسي لصحيفة «معاريف»، بن كسبيت، بالذاكرة إلى الوراء، «قبل 33 سنة بالضبط، وهي المدة التي تفصل بين عملية مركاز هراف في القدس، والعملية في فندق سافوي في تل أبيب، التي قام بها رجال أبو جهاد الذين تطلعوا للثأر من عملية ربيع الشباب في بيروت».
ورأى كسبيت أن «المبدأ مشابه جداً. الثأر. على غزة، على عماد مغنية، على العملية في سوريا، على شيء ما. وزير الدفاع اليوم هو إيهود باراك، ذات باراك من عملية ربيع الشباب. وهكذا فإن البحر بالفعل هو ذات البحر. العرب واليهود، كذلك أيضاً. لا شيء حقيقي تغير منذئذ وحتى اليوم».
وأضاف كسبيت أن «العرب فهموا بعد حرب يوم الغفران أن إسرائيل لن يهزموها من خلال الحرب، لذلك توجهوا إلى طريق آخر: الحرب النفسية، الضعضعة المتواصلة للإحساس بالأمن الذاتي، المس الجسدي من خلال الصواريخ ومنفذي العمليات الأفراد، استغلال نقاط الضعف والخوف لدى الطرف الآخر، وبالأساس حقيقة أن يدور الحديث هنا حول مجتمع غربي، ليبرالي نسبياً، حساس تجاه حياة الإنسان، ومكشوف أمام الإعلام».
وتطرق بن كسبيت إلى تأثير ما يجري على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فقال إن «ما حصل في غزة الأسبوع الماضي أضعف أبو مازن أكثر فأكثر». وأضاف أن «هذه المفارقة التي لا تطاق، والتي بموجبها إذا كنت لا تعمل حيال حماس، فأنت في مشكلة وإذا كنت تعمل حيال حماس، فأنت في مشكلة أيضاً، لأن أبو مازن في مشكلة، وبعد ذلك ستتوق إليه».
وبرأيه، فإن «هذه هي المعضلة التي يقف أمامها أصحاب القرار، إيهود أولمرت، إيهود باراك وتسيبي لفني، وهي: كيف التصرف الآن؟ وما العمل؟».
بدوره، رأى المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن المنظمات الفلسطينية أحرزت سلسلة انتصارات عملياتية مؤلمة، وأن عملية إطلاق النار على المدرسة الدينية في حي كريات موشيه، رمز الصهيونية الدينية، هي أخطر ما وقع من عمليات في حدود الخط الأخضر منذ قرابة سنتين. وأضاف أن «العملية كانت استحضاراً أليماً للأيام التي كانت القدس فيها عُرضة لحملة عمليات قاتلة، في ذروة الانتفاضة الثانية». ورأى أن نجاح العملية يشير إلى أن «البنى التحتية للإرهاب في الضفة ما زالت حية وتضرب، فضلاً عن أن محفزها اشتعل على ما يبدو من قتلى غزة والرغبة في الانتقام لموت مسؤول حزب الله، عماد مغنية».
أما المراسل العسكري لصحيفة «معاريف»، عامير ربابورت، فأشار إلى أن «عملية الشتاء الحار، التي انتهت هذا الأسبوع في قطاع غزة، تحولّت إلى ربيع حار، لا بسبب الطقس الحار والجاف الذي تطوّر اليوم فقط». ورأى أن «سلسلة الحوادث القاسية ليست صدفة. فهي متعلقة بالتصعيد الخطير للهجوم الأخير. بنسبة كبيرة، حدث التصعيد بعد أعمال منسوبة إلى إسرائيل. هجوم في سوريا قبل حوالى نصف سنة، تصفية عماد مغنية في دمشق، حيث تُعَدّ إسرائيل متورطة فيه وفق أنباء أجنبية، والتصفيات في غزة المتواصلة دون توقف».
وأضاف أنه «إزاء سوريا، لا يزال التوتر يخيم بشكل كبير، خوفاً من أن تحاول سوريا الانتقام من الهجوم الذي حصل في أرضها. أيضاً لدى حزب الله حساب مفتوح مع إسرائيل بسبب تصفية مغنية. وبالنسبة إلى عمليات الجيش ضد حماس في غزة، المقررة لوقف إطلاق صواريخ القسام ولمنع العمليات، فهي لم تحرز هدفها، لكن بشكل خاص أشعلت المنطقة. اندلعت نيران متصاعدة في قطاع غزة، وهي تمتد إلى الضفة الغربية. أي عملية إضافية تقرّب الجيش من عملية بريّة واسعة في القطاع، حيث ترغب قيادة الجيش كثيراً بتجنبها».
وتوقف مراسل الشؤون العربية في «هآرتس»، آفي يسسكروف، عند ردة فعل الفلسطينيين، فقال إن «نيران الفرح التي أُطلقت في غزة فوراً بعد التقارير عن العملية في القدس، تؤكد أن التسلل للمدرسة الدينية مركز هراف نصر عسكري وسياسي نوعي للمنظمة التي تقف وراءه. فقد قدّم الذي نفذ العملية ومرسلوه، لجمهور واسع في قطاع غزة ما طلبه منذ بداية الأسبوع: الانتقام».