معاريف ـ بن كاسبيتتخيّلوا أن إسحق رابين، أو بنيامين نتنياهو أو إيهود باراك كانوا قد خطوا الخطوة الصغيرة الأخيرة وعقدوا اتفاق سلام مع سوريا. كان رابين قريباً، لكن الطاقة التي بذلها على المسار الفلسطيني منعته؛ وكان نتنياهو قريباً، بل قريباً جداً، لكنه لم يملك الشجاعة. أما باراك فأوشك أن يكون هناك، لكنه أضاع الفرصة في آخر لحظة. كل واحد من هؤلاء هو جزء من إخفاق تاريخي عظيم، لا يُغتفر، نختبر نتائجه على جلودنا الآن.
بحسب ما تقوله أجهزة الاستخبارات عندنا، لقد غيَّر العرب وجهتهم. لم تعد هناك جيوش نظامية وآلاف الدبابات وحروب تهدف إلى احتلال إسرائيل ورمي اليهود في البحر. الآن هناك محور شر آخر، أشد إحكاماً وليس أقل خطراً. أخذت دائرة الإرهاب تضيق على الجدران، وآلاف الصواريخ والقذائف تستطيع أن ترشق أي نقطة في إسرائيل، فيما المظلة النووية الإيرانية قريبة. الأجهزة الإرهابية والصواريخ تنسّق العمل بينها وتعمل تحت سقف واحد وقيادة مشتركة. لسوريا دور رئيس في هذه المنظومة التي تخطط بصبر ودأب لتحطيم معنويات إسرائيل وتدمير إحساس مواطنيها بالأمن ومعانيه.
تخيّلوا الآن أن الأسد لم يكن عضواً في هذا المحور، وأن سوريا لم تسلّح حزب الله، ولا تؤوي قادة المنظمات الإرهابية، وأنها غير متصلة بإيران. وضع آخر، مخالف على نحو حاد، أفضل بكثير من الوضع الحالي. وضع تكون فيه إيران معزولة، ويكون حزب الله صغيراً وضعيفاً، وتبحث فيه المنظمات الإرهابية عن ملجأ في اليمن أو طهران، ويكون لبنان مستقراً وله علاقات سلمية مع إسرائيل، ويكون الشرق الأوسط كله أقل عرضة للانفجار.
بيد أن الوضع مختلف تماماً. والمسؤولية عن ذلك ملقاة على عمى القيادة الإسرائيلية على اختلاف أجيالها. يشمل ذلك الزعيم الحالي بقدر كبير. لن تساعد إيهود أولمرت التعليلات، والقصص والظروف الخاصة. فإخفاق أولمرت في هذا الشأن أكبر بكثير من سائر إخفاقاته.
يقول رجال أولمرت دفاعاً عنه إنه لا يملك قوة إقناع شعب إسرائيل بالتخلي عن هضبة الجولان. لا يوجد إمكان سياسي لهذا الإجراء. يجب القول إن هذه مشكلته. فالزعامة لا تقاس بساعات السكينة والنجاح بل بأوقات الأزمات. إن لم يكن هناك إمكان سياسي، فمهمتك أن تخلقه. إذا كنت تعلم مدى أهمية إخراج سوريا من محور الشر، فعملك أن تقنع شعب إسرائيل بذلك. وإذا لم تكن قادراً على فعل ذلك، فاذهب إلى البيت.
الفريق غابي أشكنازي، واللواء عاموس يدلين، واللواء احتياط عاموس غلعاد، واللواء احتياط أهارون زئيفي فركش، وقائد منطقة الشمال غادي أيزنكوت، واللواء احتياط موشيه كابلنسكي، واللواء تال روسو، والفريق احتياط إيهود باراك، والفريق احتياط موشيه يعلون، واللواء أوري ساغي، والفريق احتياط امنون ليبكن ـ شاحك، ورؤساء مجلس الأمن القومي على اختلاف أجيالهم، كل هؤلاء قائمة جزئية جداً لأشخاص مهنيين يعتقدون أنه يمكن ويجب إخراج سوريا من دائرة العداء وضمّها إلى طريق السلام، أو محاولة ذلك على الأقل.
يخالفهم الرأي رئيس الموساد مئير دغان فقط. اختار أولمرت الطريق السهل، طريق دغان. فلا توجد فيه مقامرة، ولا مخاطرة مباشرة، ولا مضيّ في رحلة سياسية وقيادية مرهقة. وفي مقابل ذلك، اختار أولمرت أن ينثر علينا غبار سلام وهمي على شاكلة عملية أنابوليس. وهكذا، استنزف مرة أخرى الطاقة المحدودة لرئيس الحكومة في إسرائيل في الاتجاه غير الصحيح، لأسباب داخلية غير ذات صلة (اجتياز تقرير فينوغراد بسلام). وها هوذا أولمرت قد اجتاز فينوغراد. والسؤال ماذا عنا؟ هل سنجتاز جملة التهديدات التي استُعرضت بوضوح وجلاء في جلسة الحكومة يوم الأحد الماضي؟ ليس ذلك واضحاً. ينبغي أن نقول إن المسؤولية كلها على أولمرت، بكامل ثقلها.