هآرتس ــ عاموس هرئيلتوصف إعادة احتلال الضفة الغربية في عملية «السور الواقي» في نيسان (2002) اليوم بمفترق طرق في الانتفاضة الثانية. إذ تمخّض عن دخول الجيش إلى القصبات ومخيمات اللاجئين عن عملية تدريجية توقفت في آخرها العمليات الانتحارية التي ضربت المدن الإسرائيلية.
هل كانت عملية «السور الواقي» عملية مخطط لها من جانب رئيس الوزراء آنذاك، ارييل شارون، بهدف تحطيم السلطة الفلسطينية، أم أن شارون وجد نفسه في عملية متدحرجة بالصدفه تقريباً كمحصّلة لسلسلة ردود فعل تكتيكية على العمليات. غالبية مستشاري شارون قالت في وقت لاحق إن التفسير الثاني هو الصحيح. شارون كان بالفعل قد تسلّم خطة عمل من إعداد اللواء احتياط مئير دغان مع توليه منصبه، إلا أن المستشارين يقولون إنه قد تصرف وفق أفكار عامة فقط وانجرّ لإعادة احتلال الضفة من منطلق الشعور بعدم وجود مفر من ذلك بعد سقوط أكثر من 100 قتيل في الجبهة الداخلية خلال شهر «آذار الرهيب». كلما مر الوقت تعزّز الشعور بعدم وجود خطة عمل مقنعة لدى كل من أولمرت وباراك. يبدو أن إسرائيل تسير نحو مجابهة واسعة مع حكومة «حماس» في قطاع غزة، وليس بالضرورة عملية اختيارية محسوبة.
صحيح أن المستوى السياسي يواجه مجموعات من الخيارات غير المشجعة: احتلال أجزاء من القطاع الأمر الذي سيكلف خسائر كثيره في الأرواح. أو التسليم بتواصل إطلاق الصواريخ، الأمر الذي يوسّع التهديد إلى مناطق أخرى. أو وقف إطلاق نار طويل ومتفق عليه وهو سيساعد على ترسيخ قوة «حماس». ومن الممكن فهم عدم مسارعة القيادة الإسرائيلية للحسم. لكنّ الأشد صعوبة هو التسليم بحقيقة أنه ثبت هذا العدد الكبير من الأخطاء على الطريق:
■ «لا للتحدث مع حماس». في الواقع يتحدثون ويتحدثون. لماذا يسافر اللواء احتياط عاموس جلعاد من وزارة الدفاع بمثل هذه الوتيرة إلى القاهرة إن لم يكن من أجل بلورة تفاهمات غير مباشرة مع «حماس»؟ الهدوء النسبي في هجمات «حماس» على سديروت وعسقلان ليس تطوعياً. الجيش أيضاً خفَّف عملياته وأخذ يمتنع عن الاجتياحات البرية منذ ثلاثة أسابيع.
■ «التسوية الدائمة حتى نهاية الـ 2008»: الأسابيع الأخيرة كشفت مدى ضعف حكم السلطة في الضفة. التنسيق الأمني مع إسرائيل في درجة الحضيض مرة أخرى وفي السلطة يشتكون من صعوبات يضعها الجيش والشاباك في طريقها. هل يمكن نفخ الروح في عملية أنابوليس؟ الجهات الاستخبارية الإسرائيلية تجمع على التشكيك في ذلك، وتعتقد أن «حماس» ستسيطر على الضفة بكل سهولة إن توقف الجيش عن التحرك في مدنها.
■ «منظومة اعتراض الصواريخ ستكون جاهزة في الـ2010»: وزير الدفاع يبث التفاؤل بصدد قدرة إسرائيل على تطوير منظومة دفاعية ضد الصواريخ تحت اسم «القبة الفولاذية» خلال عامين ونصف عام إلى أربعة أعوام. التطوير السريع قد يزيل التهديد من فوق سديروت (وقد يوفر عملية كبيرة في غزة). فعلياً، يدور خلاف عاصف بين الخبراء بصدد احتمالات نجاح «القبة الفولاذية» بالدفاع عن سديروت. فضلاً عن وجود توقعات أكثر تشاؤماً بخصوص الجدول الزمني. الأشخاص الذين شغلوا في السابق مناصب عالية في المؤسسة الأمنية وحاولوا تلمّس استراتيجية إسرائيلية في الجنوب لم يحظوا بإجابات واضحة. لا غرابة إذاً في أن القيادتين الأمنية والسياسية متحمستان لإعادة احتلال غزة. من اكتوى بالمياه الساخنة في لبنان يحذر من المياه الباردة في غزة. في قضية غزة، يبدو أن القيادة الإسرائيلية لا تُظهر الأمور كما هي على أرض الواقع. بدلاً من ذلك، هي تبثّ معلومات تضليلية عمّا يحدث وإلى جانبها أوهام بصدد الحل الوشيك.