strong>لا تزال القدرة الصاروخية لحزب الله تشغل بال المعلقين الإسرائيليين، الذين يطرحون أسئلة عن قدرة الحزب على إدخال عشرات آلاف الصورايخ في ظل وجود قوات اليونيفيل. أسئلة يجيب عنها المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمانيديعوت أحرونوت ــ اليكس فيشمان
كان في حوزة حزب الله قبل حرب لبنان الثانية أكثر من 16 الف صاروخ، وكان بإمكان جزء من هذه الصواريخ أن يصل إلى مدينة الخضيرة. أما اليوم، فإن تقدير خبراء محايدين، مثل ضباط قوات الطوارئ الدولية، أن لدى حزب الله أكثر من ثلاثين ألف صاروخ، عدد منها يصل مداه إلى منطقة النقب بل إلى منطقة ديمونا.
هذه هي خلاصة التغيير الذي طرأ على قدرة حزب الله خلال العام والثمانية أشهر منذ انتهاء حرب لبنان الثانية، وهي الحقيقة التي تحاول القيادة الإسرائيلية التقليل من شأنها والاختباء وراء مصطلحات تعمية، والقول إن «حزب الله أعاد بناء جزء لا بأس به من قدراته».
وصل بين عشرة آلاف إلى عشرين ألف صاروخ إلى جنوب لبنان. السؤال هو، كيف يمكن إخفاء أكثر من عشرة آلاف صاروخ طول كل واحد منها متران أو اكثر، وتتدفق طوال أشهر بشكل ممنهج عبر المعابر الضيقة الموجودة على نهر الليطاني، مع كل الطلعات الجوية التي يقوم بها سلاح الجو الإسرائيلي، ومراقبة الأقمار الصناعية التابعة للدول العظمى؟ فالصاروخ الذي يبلغ قطره 122 ملم، لا يمكن إخفاؤه في صندوق بندورة.
من فوق معابر نهر الليطاني هناك حواجز منتشرة للجيش اللبناني، ومن دون تعاون بينه وبين أنصار حزب الله ما كانت هذه الترسانة لتمر. في موازاة ذلك هناك ما بين خمسين إلى مئة وخمسين حاجزاً لليونيفيل، لكنها حواجز «القرود الثلاثة»، لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم. لكن كيف أمكن إسرائيل أن تسمح لحزب الله بتجميع هذا العدد من الصواريخ؟ ألم يروا في إسرائيل قوافل الشاحنات وانتشار حزب الله في القرى، إضافة إلى ازدهار المحميات الطبيعية التي تنتعش من جديد؟
الحقيقة هي أنهم رأوا وسمعوا وبشكل كثيف أيضاً. والسؤال: لماذا لم تصرخ اسرائيل عالياً في كل هيئة دولية ولماذا لم يقم الجيش بضرب هذه القوافل كي يمنع تشكّل الواقع القديم في جنوب لبنان؟
قد يكون الجواب في أن القيادة الإسرائيلية لا تريد إقلاق راحة مواطنيها من خلال الكشف عن تهديدات مستقبلية ونبوءات الغضب. وخلال أشهر طويلة قاموا بنشر معلومات مشجعة عن قدرات قوات اليونيفيل الرائعة في تنظيف «المحميات الطبيعية»، المراكز التي جرى إطلاق الكاتيوشا منها خلال الحرب. ففي صيف 2006، كان في جنوب لبنان بين أربعين إلى خمسين محمية طبيعية، وقام عناصر اليونيفيل بالدخول إلى جزء منها وكشفوا عن وسائل قتالية موجودة فيها ودمروها. لكن ذلك جزء من كل، ففي بعض الأحيان كانوا يدخلون إلى أماكن فيجدونها خالية، ولدى تكرار المسألة اتضح أن المعلومات تتسرب إلى حزب الله من خلال الجيش اللبناني، الذي تنسق عمليات اليونيفيل معه.
من دون قوات اليونيفيل أو معها، لا تزال «المحميات الطبيعية» في لبنان قائمة ولا يزالون يقومون بتعزيزها، ويمكن أن نراهم بالعين المجردة، إذ إن هناك محميات عند الحدود، بجانب قرى جنوبية مثل عيتا الشعب ويارون. ويقوم حزب الله بإعادة بناء القرى الشيعية في جنوب لبنان، وهناك نحو مئة الف منزل تضرر في الحرب، قام الحزب بإعادة بنائها لغرض السكن وللأغراض العسكرية على حد سواء، ومن المفترض أيضاً أن أفراد حزب الله ينتشرون هناك.
هل تراجعت قدرات حزب الله الاستطلاعية والاستخبارية بصورة جوهرية بسبب الابتعاد عن الحدود؟ ليس هناك جواب قاطع عن هذا السؤال. لكن يبدو أن حزب الله قد حسّن من قدراته الاستخبارية من خلال منظومة متطورة للاتصالات، وعناصره ينجحون في تشخيص تحركات الجيش الإسرائيلي نسبياً، بينما يقوم الجيش بتنفيذ مئات العمليات ما بين الشريط الشائك والخط الأزرق، في المناطق التي تسمّى جيوباً، كجزء من استعراض السيادة.
نظرية حزب الله القتالية واضحة جداً. فنصر الله ليس متأثراً كثيراً من قدرة القوات البرية الإسرائيلية التي تحسنت في العام الأخير، لأن القتال في الميدان ليس أساسياً بالنسبة إليه، رغم أنه يرى ضرورة فرملة الجيش وتكبيده خسائر، وما يتطلع إليه هو الجبهة الداخلية التي يرى أن نتائج الحرب تتحدد من خلالها، وقدرة هذه الجبهة ضعيفة على التحمل في نظره كما هي حال سديروت وعسقلان، لذلك يركّز على أن يبقي لنفسه قدرة على إطلاق الصواريخ على العمق الإسرائيلي لعدة أسابيع.
وتنص خطة نصر الله على أن يكون جنوب لبنان فعالاً في الأيام الأولى للحرب المقبلة على إطلاق الصواريخ، بينما يجري التركيز في المرحلة الثانية على التصدي للقوات البرية الإسرائيلية، كي يتيح المجال لمنظومة الصواريخ المتوسطة المدى الضخمة، والصواريخ البعيدة المدى التي نصبت شمالي الليطاني، بأن تواصل نيرانها.
كم هو عدد أتباع حزب الله الآن في جنوب لبنان؟ هناك اختلاف في الرأي، بعضهم يرى أن أتباع حزب الله يصلون إلى سبعة آلاف عنصر، وآخرون يرون أنهم يصلون إلى عشرين ألفاً، وعلى أي حال، فإن عددهم أكبر مما كان عليه عشية الحرب السابقة.
الموقع الإيراني
توقف الجيش الإسرائيلي عن الحديث عن إمكانات المجابهة مع إيران، فإسرائيل هي بالفعل في مواجهة مع طهران من خلال لبنان وغزة، إذ يقف وراء كل قائد من المستويات العليا في حزب الله قائد من إيران، من فرقة القدس التابعة لحرس الثورة الإيراني.
قام الجيش الإسرائيلي قبل أشهر بمناورة كبرى في قيادة المنطقة الشمالية، أطلق عليها اسم «دمج الأذرع»، لكن لم يمر أسبوع واحد حتى قامت قيادة المنطقة الجنوبية في حزب الله بتنفيذ مناورة أكبر ممّا يمكن تسميته الفرقة اللبنانية التابعة لإيران، وقام في حينها نصر الله بإلقاء خطاب علني. لقد جرت المناورة كما يدعي «وفقاً للاتفاقيات»، أي من دون سلاح، لكنها بالفعل كانت مناورة عسكرية شاملة بكل ما للكلمة من معنى، ولم يقل أحد شيئاً، وعلى ما يبدو لم يسمع أحد في الأمم المتحدة بأمر هذه المناورة.
في نظرة معاكسة، يبدو أن إعادة بناء قوة حزب الله الهائلة هي الدافع الأكبر لكبح جماحه، فالإيرانيون لن يسمحوا لنصر الله بتدمير هذا الكنز الذي بنوه لأهدافهم الاستراتيجية، كذراع طويلة لطهران النووية. لذلك فجنوب لبنان هو الموقع الدفاعي التابع لإيران في مواجهة إسرائيل التي تهدد بضرب مفاعلها النووي. فإيران اليوم لا ترغب في تكرار ما حصل في تموز 2006، ومقتل عماد مغنية، مع كل الألم الذي تسبب به، لا يمكن أن يؤدي إلى فقدان هذا الكنز العزيز.
العبرة الإيرانية من الحرب الأخيرة تشير إلى أنهم أقل تفاؤلاً مما يعتقد حزب الله، فقد شاهدوا عمق التوغل الاستخباري وهذا يقلقهم، كما اكتشفوا أن العمق ليس نقطة ضعف إسرائيل وحسب، بل هي أيضاً نقطة ضعف العمق الشيعي في جنوب لبنان، فضائقة السكان الشيعة خلال الحرب وبعدها، أثارت مشاعر المرارة والانتقادات داخل لبنان وخارجه. وها نحن نرى من خلال الأقنية التلفزيونية اللبنانية مواطنين لبنانيين من الجنوب يجمعون أشياءهم ويستعدون للمغادرة خوفاً من استئناف المواجهة على خلفية التهديد بالانتقام لاغتيال مغنية.
من هنا، يظهر الافتراض الأساسي بأن الانتقام الذي يعد به نصر الله وأحمدي نجاد سيتم في الخارج، لا على الحدود ـــــ عملية ضد هدف يهودي أو إسرائيلي أو حتى اغتيال شخصية بارزة، لا يلزم إسرائيل فتح جبهة في الجنوب.
الخدعة السورية
في الوقت الذي يرون فيه أن الإيرانيين هم العدو الذي يقاتل في مواجهتنا من خلال جبهة لبنان وجبهة غزة ـــــ يقوم السوريون بأداء دور الأنذال في هذه القصة. فسوريا هي المورّد الأساسي للصواريخ لحزب الله من كل نوع وصنف، بما في ذلك الأكثر تطوراً. وإغراق لبنان بالوسائل القتالية هو استراتيجية مكيافيلية سورية واضحة.
تقول جهات أمنية أوروبية زارت دمشق إن النظام السوري على قناعة بأنه إذا ما تورطت سوريا في حرب مع إسرائيل فإن إسرائيل تنوي تحويل سوريا إلى صحراء خلال أسبوع، وإعادتها إلى العصر الحجري. فإسرائيل لن تتحمل عشرات آلاف من الصواريخ السورية، وستقوم بالتالي بحرب إبادة من اليوم الأول للحرب. من هنا فإن المصلحة السورية تشير إلى أنه إذا لزم وجود تسخين، فمن الأفضل أن لا يحدث ذلك على الأراضي السورية وإنما في لبنان، حيث يغرقونه بالسلاح.
في هذه الأثناء، يمر الجيش السوري الذي يفترض أن إسرائيل تخطط لحرب إبادة ضده، في ذروة من التدريبات والتأهب العليا. كل حركة إسرائيلية في الجولان ترفع مستوى التوتر. إن حفرت إسرائيل قناة مضادة للدبابات، حفر السوريون اثنتين، وهكذا دواليك.
إذاً لا يريد السوريون التصعيد، لكن الأخطاء قد تحدث في أي لحظة. فاعتداء إسرائيل على السيادة السورية مرة أخرى، قد يحطم قدرة دمشق على ضبط النفس. وفي الجيش الإسرائيلي، على أيّ حال، هناك جاهزية للسيناريوهات المختلفة، من الضربات السورية الموضعية وصولاً إلى التدهور الشامل.
لا يواجه لبنان، على ما يبدو، حرباً مع إسرائيل غداً، لكن تعاظم قوة حزب الله يشير إلى أن إسرائيل ملزمة أن تستيقظ من غفوتها.


إضاءة
«هآرتس»: «حماس» تطوِّر صواريخها بمساعدة إيرانيةوقال المسؤول الفلسطيني إن مقاومين في الذراع العسكرية لحركة «حماس» هرّبوا خططاً وتصاميم مفصلة، تهدف إلى مساعدة عناصر الحركة في قطاع غزة على إنتاج صواريخ ذات مدى يتيح لها ضرب أهداف في مناطق بعيدة نسبياً. وأضافت أن «السلطة الفلسطينية تجد صعوبة في تقدير المدى الدقيق لهذه الصواريخ الجديدة، التي هي في مرحلة التطوير الآن. إلا أن تقديراتهم تشير إلى أن الهدف هو ضرب مستوطنات تقع شمال عسقلان». وأوضح أن «المخططات الهندسية للصواريخ أدخلت إلى القطاع في أعقاب إسقاط الجدار في محور فيلادلفي في رفح نهاية كانون الثاني».
وكانت تقارير إعلامية عبرية قد نقلت، أول من أمس، عن مصادر أمنية إسرائيلية تقديرات تتحدث عن تطوير «حركة الجهاد الإسلامي» لنماذج جديدة من الصواريخ يصل مداها إلى 18 كيلومتراً.
وبحسب «هآرتس»، فإن إيران تبذل جهوداً من أجل إطالة مدى الصواريخ التي ينتجها الفلسطينيون، وأشارت إلى امتلاك الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة لعدد محدود من صواريخ «غراد» التي يصل مداها إلى 20 كيلومتراً.
وقال المصدر الفلسطيني للصحيفة إن مخزون الكاتيوشا لدى هذه الفصائل تراجع أخيراً، لذلك عملت إيران على تهريب كميات منها عبر البحر إلى داخل القطاع، فضلاً عن حثها لجهود التطوير المحلي لها داخل القطاع.
وإضافة إلى المساعدات «الصاروخية» التي تقدمها إيران للمقاومة الفلسطينية، كشف المصدر الفلسطيني لـ«هآرتس» أن نحو 200 شخص من أعضاء حركة «حماس» عادوا أخيراً إلى القطاع بعد اجتيازهم لتدريبات عسكرية في إيران والبقاع اللبناني، وكذلك في معسكرات في سوريا. وأوضح المصدر نفسه أن التدريبات التي خضع لها هؤلاء تتصل بالتكتيك العسكري وحرب العصابات، إضافة إلى اختصاصات معينة كإطلاق الصواريخ المضادة للدروع وزرع العبوات الناسفة ونشر العوائق الدفاعية.
(الأخبار)