قد يكون انطلاق معركة «تحرير» مدينة تكريت قاب قوسين أو أدنى من التحقق. هذا ما باتت تشير إليه التطورات الميدانية في محافظة صلاح الدين منذ يوم الجمعة الماضي، وذلك إثر تقدّم مسار العمليات في أبرز المناطق (ناحية العلم، و«تحرير» قضاء الدور، إضافة إلى استكمال عملية المحاصرة والتطويق من ناحية الشمال عبر قطع الإمدادات).تراكُم التقدم الميداني في عدد من المناطق حول المدينة، والذي سُجّل أبرزه يوم أمس في منطقة البو عجيل (جنوب)، دفع قائد عمليات صلاح الدين، الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، إلى القول إنّ القوات الأمنية و«الحشد الشعبي» يحاصرون تكريت من أربعة محاور، و«تحريرها بات سهلاً»، مشيراً إلى أن «أياماً قليلة لتحرير تكريت وتحقيق النصر».

بدوره، قال القيادي في «منظمة بدر» (إحدى ركائز الحشد الشعبي)، كريم النوري، إنّ «إعلان تحرير المحافظة بشكل كامل بات مسألة وقت»، موضحاً أنّ «الصفحة الثالثة من عملية تحرير صلاح الدين بدأت اليوم (أمس)». وأضاف النوري أن «القوات الأمنية والحشد الشعبي حررت أغلب مدن محافظة صلاح الدين، وتحاصر ما تبقى من مناطق تحت سيطرة داعش».
الأول من آذار الحالي غير
الثامن منه في ما يخص
عملية الموصل

ويترافق التقدّم مع تحقيق «انتصارات» ميدانية رمزية، كما أشار القيادي في «الحشد الشعبي»، جبار المعموري، حين صرّح بأن «عناصر الحشد الشعبي والقوات الأمنية وأبناء العشائر تقدموا ما يقارب 20 كلم من محور تقاطع الزركة تجاه ناحية العلم في تكريت»، موضحاً أنّ تقاطع الزركه ــ تل السادة (شمال شرق تكريت) «لم تصله القوات الأمنية منذ عام 2003... هذه المواقع كانت تخضع لسيطرة تنظيم القاعدة ومن بعدها لداعش».
ويشير التقدّم في صلاح الدين، حتى الساعة، إلى نجاح المعركة التي تقودها الحكومة العراقية، وتشارك فيها قوات من الجيش والشرطة الاتحادية وقوات من «الحشد الشعبي» إضافة إلى مقاتلين عشائريين (تتباين أعدادهم بين مصدر وآخر). وتدير العملية، بشكل رئيسي، غرفة عمليات مشتركة (في سامراء) أعلن تشكيلها نهاية شهر شباط محافظ صلاح الدين، رائد الجبوري.

نحو الموصل؟

حين أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، انطلاق العملية تحت مسمّى «لبيك يا رسول الله»، يوم الأحد الماضي، كان متابعون للشأن العراقي يستبعدون فكرة أنّ ما يجري في صلاح الدين هو مقدمة لعملية كبرى في مدينة الموصل التي مثّلت سيطرة «داعش»، والقوى الموالية له في حينه، عليها في شهر حزيران الماضي سقوط الحجر الأول من سلسلة أحجار الدومينو، والتي انتهت بسقوط عدد كبير من المناطق عند ضفاف نهر دجلة، حتى وصلت التهديدات إلى مشارف بغداد. وترافق ذلك مع تمدد التنظيم في الشرق حتى ديالى المحاذية للحدود الإيرانية، فيما كان التنظيم يدمج في عدد من المناطق الغربية بين مجموعات مقاتليه المنتشرة بين الأراضي العراقية والسورية.
لكن الأول من آذار الحالي غير الثامن منه في ما يخص عملية الموصل. منذ ذلك التاريخ توالت تصريحات أبرز قيادات «الحشد الشعبي» عن أهداف العملية، حتى إنّ نائب رئيس «الحشد»، أبو مهدي المهندس، قال في حديث إلى وكالة «فارس» إنّ العمليات في صلاح الدين تعتبر «مفتاح بوابة تحرير الموصل».
كذلك، فقد تعزز موقف «الحشد الشعبي»، أمس، بتراجع زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، عن قراره بتجميد عمل «سرايا السلام»، وذلك بهدف الإعداد لعملية الموصل. أيضاً، رئيس «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي»، السيّد عمار الحكيم، تفقد يوم أمس القطعات العسكرية في ناحية العلم في تكريت، معلناً أنّ «تكريت ستكون مقبرة للدواعش ومنطلقاً لتحرير الموصل».
وإلى جانب الدور الذي يقوم به رئيس الحكومة حيدر العبادي، إلا أنّ الزخم الذي أمّنه دخول الصدر ــ الحكيم على خط معركة تكريت وإشارتهما إلى معركة الموصل، قدّما فعلياً دعامة سياسية للعملية، وذلك لأنّ الطرفين، وخصوصاً الحكيم، بإمكانهما لعب دور صلة الوصل مع أطراف تنظر بعين الريبة إلى «الحشد الشعبي». ومن جهتها، تتابع المرجعية الدينية العمليات في صلاح الدين، عبر التحذير من مراحل ما بعد «التحرير» ومن عدم الوقوع في فخاخ النزاعات الطائفية.
وعلى هامش هذه الاستعدادات والأحاديث عن احتمالات التوجه نحو عملية الموصل (المسافة بين تكريت والموصل نحو 200 كلم)، يشير، مثلاً، مراقبون للشأن العراقي إلى أنّ الأزمة التي شهدتها المحافظات الغربية خلال العامين الماضيين لم تنته بمجرد تبوّء حيدر العبادي رئاسة الوزراء، بل يضيف هؤلاء أنّ الأمور باتت اليوم ذات حساسية أكبر، وبالتالي فإن «تحرير المناطق» لا يكفي للعودة إلى مجال سياسي سليم يبني حالة وطنية قادرة على الإعداد لعمليات أضخم في الشمال.

تكريت في الميزان السياسي

ترتبط طريق الموصل، عسكرياً، بالنتائج العسكرية والسياسية لعمليات صلاح الدين، إضافة إلى معطى أساسي مرتبط بمدى جاهزية فرق الجيش العراقي المعنية بالهجوم المرتقب.
الميدان لم يحسم كلمته والطريق إلى الموصل دونه عقبات لم تتضح حلولها بعد
عملياً، إن استعادت الحكومة العراقية السيطرة على مدينة تكريت ومحيطها وباتت قواتها تنتشر بأمان عند الحدود الشمالية لقضاء بيجي، فإنّ الطريق السياسية نحو الموصل، التي للإشارة قد أبدت أنقرة اهتمامها بها خلال الأسبوع الماضي، تحتاج إلى توافقات قد لا تكون بغداد قادرة اليوم على تأمينها وحدها. أيضاً، من قال إنّ الهجوم لـ«تحرير» الموصل سيبدأ من صلاح الدين؟ وأين الأنبار، وفيها الفلوجة والرمادي، من هذه المعادلة؟
عملياً، يرى مراقبون أنّ ما يعنيه نجاح عملية صلاح الدين هو في كسر المعادلة التي فرضها «التحالف الدولي» منذ الصيف الماضي. ويشرح هؤلاء أنّ المعادلة هي أميركية، وتقول ببساطة: نملك الأجواء ودعمنا يحدد دور القوى المحلية المعنية باستعادة الأراضي من تنظيم «داعش». وبالتالي فإنّ نجاح العملية المشتركة في المحافظة من دون مساندة مباشرة من مقاتلات «التحالف الدولي» وطائرات المراقبة الأميركية والفرنسية، ستترجم بكسر هذه المعادلة. ربما هنا كانت أهمية الصور المنشورة فور بدء العملية لقائد «فيلق القدس»، الجنرال قاسم سليماني، وهنا كانت أهمية الرسالة، يقول المتابعون.
معطيات كثيرة ترتبط بحجم رمزية مدينة تكريت (معقل النظام السابق)، كل طرف يوظفها بما يخدم مصالحه، في وقت الميدان لم يحسم كلمته بعد، والطريق إلى الموصل دونه عقبات لم تتضح حلولها بعد.

واشنطن: ما زلنا نراقب

رأى رئيس أركان الجيوش الاميركية، الجنرال مارتن ديمبسي، أن إيران تعزز القدرات العسكرية لـ«الميليشيات» في العراق، لكن من غير الواضح إذا ما كانت تقدم مساعدة أو تشكل عقبة في محاربة تنظيم «داعش». وأعلن ديمبسي للصحافيين، على متن الطائرة التي كانت تقله الى البحرين والعراق، أنه سيعرب عن قلقه من نفوذ إيران في مباحثاته مع مسؤولين عراقيين، بعد أيام على شنّ بغداد عملية واسعة النطاق لاستعادة تكريت.
وأعرب ديمبسي عن اعتقاده، مساء الجمعة الماضي، بأن «الهجوم على تكريت بات ممكناً بسبب الضربات الجوية التي نفذت في محيط بيجي (من قبل التحالف)»، والتي أبعدت «داعش» عن مصفاة المدينة. وتابع بالقول: «أريد أن يدرك رئيس الوزراء ووزير الدفاع (في العراق) أن هذا (الهجوم) لم يحصل بسحر ساحر أو بسبب وجود الميليشيات الشيعية على الطريق بين بغداد وتكريت».
وفي إشارة الى «دعم إيران للميليشيات»، قال ديمبسي، الذي زار أمس حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول التي تجوب في الخليج، إنه يريد أن يكوّن فكرة عن أن «تحرك الميليشيات... متمّم» لنشاط «التحالف الدولي»، مضيفاً أن نفوذ طهران يثير قلقاًُ بين دول «التحالف». وقال إنه من غير الواضح أيضاً إذا ما تشاطرت إيران الاهداف الاستراتيجية لـ«التحالف الدولي». لكنه رأى أن الشخص الوحيد القادر على تبديد هذه المخاوف هو رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. ورأى في السياق أيضاً أنّ هزيمة «داعش» في تكريت مسألة وقت.
في غضون ذلك، أكد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء حسن فيروآبادي، أمس، أن بلاده «لا تبحث عن مصالح في العراق... و(أنها) تعتبر أمن العراق وعزته من أمنها وعزتها». ورأى أن لا أحد يمكنه اليوم تهديد إيران، مشيراً إلى أنه «لا قضية تحل في المنطقة من دون إيران، ونحن لا نشعر بخطر يهددنا، بل إن العدو هو الذي حينما يشعر بالخوف يقوم بتوجيه التهديدات».




النجيفي: لا نريد ميليشيات

دعا نائب الرئيس العراقي، أسامة النجيفي، إلى «التطوع لتحرير مدينة الموصل». وقال، أمس، خلال تفقّده لمعسكر «الحشد الوطني» للمتطوعين التابع لمحافظة نينوى ومعسكر تحرير نينوى: «علينا ألا نغفل عن الاستعداد الكامل، وتحشيد كل جهد كي نحرر أرض الموصل الطاهرة، ونطرد الإرهابيين المجرمين»، مضيفاً أنه «لا عذر لأي متخاذل عن هذه المهمة الوطنية، لأن المقاتلين اليوم هم القدوة لشباب الموصل، وسنتقدم معاً لتحرير كل شبر من أراضينا».
كذلك دعا إلى «دعم معسكرات التحرير وتحشيد كل الطاقات»، مشيراً إلى أنه «ينبغي أن تكون القوات المحرِّرة تمثل جميع المكونات، وألا تكون من طيف واحد أو قومية واحدة». وشدد النجيفي بالقول: «لا نريد ميليشيات، بل قوات تنتظم تحت علم الدولة العراقية».
(الأناضول)