عكيفا إلدار ـ هآرتس
المراوحة من لبنان إلى «فينوغراد»

إن العملية الانتحارية في ديمونة واستمرار نيران «القسّام» على سديروت يذكّران بأن «التخبّط» لم يبدأ ولم ينتهِ في حرب لبنان الثانية. فقد تعجبت لجنة فينوغراد من كيفية انتهاء الحرب، التي استمرت لأكثر من شهر، من دون حسم سياسي أو عسكري. الحرب على «حماس» استمرت أكثر من سبع سنوات، «والنصر يبدو قريباً مثل الأفق السياسي!!».
تتذمر اللجنة من أن الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، صاحب القدرة الجوية المطلقة والتفوّق في الحجم والتكنولوجيا، لم ينجح في التغلب على حزب الله، وهو «المنظمة شبه العسكرية التي تَعُدّ آلاف المقاتلين». إلا أن هذا الجيش القوي، وبقية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تسيطر على المناطق منذ أربعين عاماً بتفوّق مطلق، لم ينجحا في التغلب على «حماس» التي تقل عن حزب الله بقوتها وسلاحها.
تثبت حوادث الأمس أن صنّاع السياسة لم يتعلّموا الدرس الأساسي من حرب لبنان الثانية. لجنة فينوغراد فوّتت الفرصة التي أُعطيت لها للوصول فعلياً إلى «تغيير الاتجاه»، وهو اسم العملية البرية الواسعة التي أثنت عليها اللجنة في تقريرها. فبدلاً من التركيز على المشكلة الأساسية المرتبطة بكيفية التعاطي مع «منظمة شبه عسكرية تضم آلاف المقاتلين» من جانب دولة قوية، راوحت اللجنة بين «آلية صناعة القرار» و«العمل الأركاني». تماماً مثل معلّق رياضي في مباراة ملاكمة يوسع في تحليل خطوات أحد المتلاكمَين ويتجاهل الآخر، وكأن حركة أحدهما لا تؤثر على رد فعل الآخر.
يدرك زعماء «حماس» وحزب الله أنهم غير قادرين على هزيمة إسرائيل بالضربة القاضية، ويكفيهم إحراز بعض النقاط لدى الرأي العام العربي والفلسطيني، والفوز بقليل من التعاطف في الغرب من خلال بعض صور الأطفال الذين ينزفون دماً وبعض المواطنين الذين فقدوا منازلهم. المنظمتان تدركان حساسية الساسة الإسرائيليين حيال موضوع افتداء الأسرى، وتقومان بإغوائهم للدخول إلى هذه الحلبة. لو كانت العملية البرية في لبنان قد استمرت لبضعة أيام وانتهت «بحسم عسكري»، لكان مئات آلاف اللاجئين الشيعة الذي فرّوا نحو الشمال يهددون بإسقاط حكومة (الرئيس فؤاد) السنيورة.
تُعد عملية «السور الواقي» ناجحة عسكرياً. الجيش سيطر على بؤر القتال الفلسطينية ما أدى إلى انخفاض كبير في حجم العمليات. لكن العملية لم تحل أي مشكلة استراتيجية. تفاقم الوضع منذئذ. المعسكر الفلسطيني البراغماتي انهار وأخلى موقعه لجهات إسلامية عدوانية. حالياً تسيطر «حماس» على قطاع غزة، والجهات الأمنية تخشى من أن تلحق الضفة بها. نجحت «حماس» حتى الآن في خلق نزاع بين إسرائيل ومصر، وثمة حديث في الأردن من خطر قيام جمهور غاضب باقتحام الحدود الشرقية.
في سياق الدفاع عن أولمرت، يمكن القول إن صديقه الجيد أيضاً، الرئيس بوش، زعيم القوة العظمى في العالم، أدرك بالطريقة الصعبة أن التفوّق العسكري لا يكون دائماً ضمانة للنصر. لقد احتلت الولايات المتحدة العراق باكتساح جوي وعملية برية مركّزة، لكنها منذ ذلك الوقت تراوح مكانها وتحصي موتاها. العمى الذهني ليس محصوراً بأولمرت. فمنافسه الكبير أيضاً، رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، لم يتعلم حدود القوة، وهو اعترف أمام لجنة فينوغراد بأنه دعم الحرب في لبنان لأن «الأهداف التي حُددت من جانب المجلس الوزاري المصغّر كانت أهدافاً ملائمة».
عوض السعي نحو حسم عسكري، من الأجدى لإسرائيل التطلع إلى إنجازات سياسية. المشكلة هي أننا حتى في هذه الساحة لا نزال نراوح في الطريق نحو المواجهة المقبلة التي لن تكون حاسمة.