حيفا ــ فراس خطيب
اختراق استخباري فرنسي لدمشق أقنع ديغول بدعم «المشروع الصهيوني»

فتح ملحق صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية صفحات التاريخ، ليكشف عن وثائق تشير إلى منافسة فرنسية ـــــ بريطانية في عام 1944، أدت إلى عرضٍ من لندن للحكومة السورية بدعمها لإقامة «سوريا الكبرى»، في مقابل منح بريطانيا مكانة عليا، ما أثار غضب الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية في عهد الجنرال شارل ديغول، التي «سرَّبت تفاصيل الاتفاق إلى الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة ودعمت المشروع الصهيوني لإقامة دولة اليهود على أرض فلسطين».
وأوضحت الصحيفة أنه «أثناء الحرب العالمية الثانية، كان هناك صراع سري بين البريطانيين والفرنسيين في الشرق الأوسط، تفوق الفرنسيون استخبارياً، إذ استطاعوا تجنيد عميل سوري كشف لهم عن رسائل كانت تنقل بين الحكم في سوريا وزعماء من العالم العربي». واشارت إلى أن «التقارير كانت تنقل إلى الاستخبارات الفرنسية في بيروت وتترجم هناك وتنقل بطائرة خاصة إلى الجنرال شارل ديغول شخصياً ليطلع عليها».
وأشارت الصحيفة إلى أن «ديغول حاول بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أن يفرض على سوريا المحررة اتفاقاً يضمن لفرنسا مكانة خاصة هناك، لكنه لم يستطع في أعقاب المعارضة السورية والبريطانية، فاندلعت معارك في أيار 1945 أدّت إلى استقلال سوريا». وتابعت: «إن البحث في مئات المستندات السورية التي كُشف عنها حتى الآن في الأرشيف الفرنسي يلزم المؤرخين النظر مجدداً إلى تاريخ المنطقة، مع الأخذ بالاعتبار التحالف السوري ـــــ البريطاني».
ومن بين الوثائق، تشير الصحيفة إلى أن الجنرال البريطاني إدوار سبيرس، بعث في الخامس من آب عام 1944 رئيس الحكومة اللبنانية رياض الصلح في «مهمة سرية إلى دمشق». وأضافت أن «الصلح لم يعرف تفاصيل المهمة، لكنَّه فهمها عندما التقى القنصل البريطاني في دمشق، حيث تسلّم اقتراح البريطانيين وطلب منه نقله إلى رئيس حكومة سوريا سعد الله الجبيري. كان الاقتراح يتضمن وحدة سوريا مع الأردن وفلسطين التاريخية من أجل «سوريا الكبرى». في المقابل، بحسب الصحيفة، كانت سوريا مطالبة بأن تمنح البريطانيين مكانة مفضلة في الشؤون العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وألا «توقع أي اتفاق مع دول أخرى من دون التشاور مع الحكومة البريطانية».
ومن أجل إقناع السوريين بقبول الاتفاق، تعهّد البريطانيون حماية استقلال سوريا من أي اعتداء خارجي وأن تستمر في سياسة الكتاب الأبيض، وتعمل على وقف «الطموح اليهودي» بشكل مطلق.
إلا أن المبادرة البريطانية واجهت معارضة الرئيس السوري شكري القوتلي، الذي ضغط عليه البريطانيون للموافقة، وهو ما تمّ في التاسع والعشرين من أيار عام 1945 في خضم الهجوم الفرنسي على مؤسسات الحكومة السورية.
وأشارت الوثائق إلى أن الاتفاق مع البريطانيين تم بسرعة. وتضمن الأرشيف الفرنسي سبع رسائل بهذا الخصوص: خمس منها بعثها القوتلي. وأضافت الصحيفة أن «الرسائل الخمس، التي بعثها شكري القوتلي، افتتحت بعبارات يقسم الرئيس السوري بشرفه، وباسمه وباسم الأمة، أن يمنح البريطانيين مكانة مفضلة، وأن يتبنى السياسة الخارجية البريطانية».
عمل الفرنسيون بجدية لوقف البريطانيين، وبذلوا جهداً منقطع النظير كي «يدفّعونهم ثمناً». ومن «الأسلحة» التي استخدموها دعمهم للحركة الصهيونية؛ ففي لقاء عقد في السادس من تشرين الأول عام 1945، التقى رئيس الهستدروت الصهيوني في فرنسا، مارك يربولوم، شارل ديغول الذي صرّح في حينه بأن «اليهود، في دخولهم الى فلسطين التاريخية، هم الوحيدون القادرون على طرد البريطانيين من الشرق الأوسط».
وقد سافر رئيس الوكالة اليهودية في حينه، دافيد بن غوريون، إلى فرنسا في تشرين الثاني. وفي العاشر من الشهر نفسه، سمع بن غوريون من وزير الخاريجة الفرنسي أن «باريس تدعم الشأن الصهيوني».
ويشير التقرير إلى لقاءات سابقة جمعت بن غوريون في الخامس عشر من تشرين الأول عام 1944 في بيروت مع الجنرال الفرنسي بول بيينه «بعد أشهر من علم الفرنسيين بالبرنامج البريطاني لطرد فرنسا من الشرق الأوسط». وأشار بن غوريون، في مذكراته، إلى أنه أكد للجنرال الفرنسي أهمية إقامة «دولة يهودية إلى جانب لبنان مسيحي».
وكان بن غوريون في شهري أيار وحزيران عام 1945 في فرنسا عند اندلاع الأزمة الفرنسية ـــــ البريطانية. وتبنى كاملاً الاتهامات الفرنسية للبريطانيين. كان واضحاً بالنسبة إليه أن الفرنسيين سيتعاونون مع العصابات الصهيونية لزعزعة الوضع الأمني في فلسطين التاريخية.