هآرتس ــ يوئيل ماركوس
بعد الانتهاء من الإهانات والاتهامات المتبادلة بسبب فشل حرب لبنان الثانية، يقف الـ«إيهودان» هذه المرة في قارب واحد أمام جبهة غزة. هناك، ألقى ياسر عرفات خطاب «الدم والنار» في أول يوم وطئت فيه قدمه البلاد، في أيار 1994، بفضل اتفاق أوسلو. هناك، بدأ حملة التحريض، العمليات والانتفاضات. هناك لعننا بلعنته المحبّبة عليه، «فليشربوا من بحر غزة».
إسرائيل لم تشرب من بحر غزة، لكنها قد تغرق رويداً رويداً في مستنقعها بعد نحو ثلاث سنوات من إزالتنا المستوطنات وانتقال غزة إلى الفلسطينيين. خطأ شارون كان في التنفيذ الأحادي الجانب لإخلاء المستوطنات، من دون اتفاق لا مع السلطة الفلسطينية ــــــ بل ولا مع الراعين الدوليين.
لم نشترط حتى وقف «القسام» على سديروت قبل تنفيذ فك الارتباط. الخطأ الأول أننا رأينا في القسّام ألعاباً نارية غير ضارة: غير دقيقة، أحياناً لا تنفجر، تنتج في مخارط بدائية، كأنها مواسير طائرة. لكن هذا الصغير كبر وأصبح فتّاكاً.
كبرت «حماس» وسجلت إنجازات استراتيجية، يقول افرايم هليفي، رئيس الموساد السابق: في الـ2006 حظوا بأغلبية في انتخابات ديموقراطية فرضها الأميركيون. في الـ2007 طردوا فتح من غزة في انقلاب عسكري، تضمّن إلقاء مسؤولين كبار من مكاتبهم في الطابق الـ15. وهكذا تحولت «حماس» من حركة دينية متزمتة صغيرة إلى الحاكم الحصري لغزة ذات نحو مليون ونصف مليون من السكان وإلى عائق جدي لفرص السلام.
في الـ2008 فاجأونا مرة ثالثة، عندما شلوا فعّالية عقوباتنا: فقد اقتحموا الجدران والاسوار، ومئات الآلاف الذين كانوا محبوسين خرجوا للشراء في رفح، فضلاً عمّن خرج ودخل لأهداف معادية.
ما يبدو في نظر الكثيرين جنوناً أو ألعاباً نارية كان خطوة استراتيجية أُعدّت مسبّقاً. وهكذا طوّروا لنا جبهة أخرى على حدود إسرائيل ـــــ مصر، البطن الطريّ عندنا. في أعقاب الاقتحام الكبير، أصبحت مناطق غير قليلة تحت سيادتنا محظورة على حركة الإسرائيليين، والدولة اضطرت إلى إغلاق نفسها بجدار وبسور آخر على طول الحدود الجنوبية.
ما دام هذا موقفهم، فلا منفعة من مساعينا للتفاوض مع رئيس السلطة على تسوية سلمية. هناك من يعتقد بأنه محظور علينا قطع الاتصال، بل العكس: مواصلة المحادثات، تحقيق اتفاق مع أبو مازن. وانطلاقاً من الأمل أنه إذا ما رأى وصدق مؤيدو «حماس»، فسيغيرون ولاءهم. طوبى للمؤمنين.
أن توافق إسرائيل على «هدنة» طويلة المدى أمر ليس بعيد المنال. لكن حسب مفاهيم «حماس»، يدور الحديث عمّا يسمونها «مقاومة» في ظل وقف النار، بتفسيرهم: نحن في هدنة وهمية، لكننا لا نتخلّى عن الجهاد. وبين الحين والآخر قد ينشأ وضع يفعلون فيه شيئاً ما، وإسرائيل ستمتنع عن الرد.
والآن، بعدما أصبحت كل سيناء تقريباً مفتوحة أمامهم، فإنهم يتزوّدون بأدوات بعيدة المدى أكثر فأكثر. يخلقون أجواءً من الهدوء مثلما فعل حزب الله كي يقول الإسرائيليون بعضهم لبعض ما قالوه عن حزب الله: «دعوا صواريخهم تصدأ». ومع قدوم الوقت، سيضربون البطن الطريّ لإسرائيل في جنوبي البلاد. العملية في ديمونا هي فقط نموذج عن خطر استئناف خيار العمليات الانتحارية داخل إسرائيل.
ومن جهة أخرى، يمنع خلق وضع يضطرنا إلى تلقي الضربات من دون أن نرد. باراك يقول، بعد نقاش في المجلس الوزاري هذا الأسبوع، إنه في النهاية سنوقف نار «القسام». إذا كان يقصد العملية البرية الكبيرة التي ستتضمّن وسائل حادة، فينبغي الأخذ بالحسبان بأن عملية واسعة النطاق كهذه ستنتهي مثل محاولة القضاء على حزب الله ـــــ بضربات أليمة لجبهتنا الداخلية، بصواريخ لم نعرف أنها في حوزتهم.