يديعوت أحرونوت ــ اليكس فيشمان
ما يبدو سياسة موزونة، مدروسة، معتدلة، غير متحمسة، لإسرائيل ــــ هو ببساطة انعدام مسؤولية. حكومة إسرائيل مقودة وتتصرف انطلاقاً من ضعف داخلي غير واضح حسب قواعد اللعب التي تمليها حركة «حماس». المرة تلو الأخرى نكرر الخطأ نفسه منذ ثلاثة عقود وندعهم يجروننا إلى مناكفة طويلة، بوتيرتهم.
هذا حصل لنا مع «فتح»، مع حزب الله، والآن مع «حماس»: نحن نقتل منهم العشرات والمئات، وهم يقومون بعمليات ويطلقون عشرات ومئات الصواريخ. كرة طاولة تسفك دماً، تمس بالردع وتستنزف الاقتصاد والمجتمع. في كل مرة نعد أنفسنا بعدم الوقوع في شرك الاستنزاف هذا، وفي كل مرة مجدداً نقع في أيديهم. في كل مرة يتمسك رؤساء الحكومات ووزراء الدفاع بمليون عذر لعدم عمل أي شيء، وفقط عندما لا يكون هناك أي مخرج، فقط عندما تقع مصيبة، تندفع دولة إسرائيل لاتخاذ القرارات. في معظم الحالات يكون هذا قراراً انفعالياً لشن حرب أخرى لا داعي إليها.
إذاً ما هي حدود الامتصاص لدى القيادة السياسية والمجتمع الإسرائيلي اليوم؟ قبل «السور الواقي» قتل نحو 500 مواطن إسرائيلي في العمليات. هل هذا الرقم هو سقف القيادة السياسية اليوم أيضاً؟ في هذه الأثناء، سلة المعجزات آخذة بالنفاد. أمس أصيب شابان بجروح خطِرة. وفي الأسبوع الماضي سقطت صواريخ «قسام» قرب حضانة أطفال ومدرسة. هذا لن ينتهي على نحو حسن.
وزراء الدفاع ورؤساء الأركان تبنّوا لأنفسهم في السنوات الماضية قولاً غير ملزم: «ليس لدى دولة إسرائيل حلول سحرية للقسام». المعنى: اقعدوا وانتظروا إلى أن نخترع حلاً سحرياً. لكن لا أحد يطلب حلاً سحرياً. يطلبون حلاً بسيطاً ولا لبس فيه. إذا كنا ندير حرباً ضد «حماس»، إذاً فلماذا لا تكون قيادتها السياسية ــــــ من هنية شمالاً وجنوباً ــــــ في بؤرة المرصاد ولا تدفع ثمناً شخصياً؟ تصفية الشيخ ياسين والجماعة المحيطة به قلّصت في حينه موجة العمليات الانتحارية.
الصواريخ الموجودة اليوم لدى «حماس» باتت تصل إلى عسقلان وشمالها. وفي الأسبوع الماضي، علمنا أيضاً أن النار على إسرائيل تُفتح من «محميات طبيعية» وأنهم قادرون على إطلاق النار من دون تعريض حياة المطلقين للخطر ومن دون أن تكون للاستخبارات التكتيكية قدرة على التشخيص المسبّق لنقطة الإطلاق. واليوم، لسلاح الجو إمكان للتشخيص في النهار، في الليل وفي كل الأجواء لنقاط الإطلاق التي هي على وجه الأرض. أمّا تحت الارض، فتلك قصة أخرى، حيث لا تفوقّ تكنولوجياً.
إذاً ماذا ننتظر؟ أن يقرّروا إن كان من المناسب لهم إطلاق صواريخ بعيدة المدى نحو عسقلان؟
هناك انطباع بأن دولة اسرائيل تتصرف برقة مع «حماس»، ببساطة لأن ليس لها مصلحة حقيقية في إسقاط الحكم هناك. يخيل أن وجود نظام حمساوي في غزة وعزله عن الضفة وتخليد كيانين فلسطينيين بدأ يروق لنا كثيراً. مثل هذا الوضع يضمن ألّا يكون ممكناً لفكرة الدولة الفلسطينية، بحسب الرؤية الأميركية، أن تتحقق. لا طريق آخر لنشرح وهن حكومة اسرائيل وامتناعها عن المس بقيادة «حماس» ومؤسسات حكمها.
ولم نتحدث بعد عن تعاظم القوى: في الأيام التي كان فيها محور فيلادلفي فالتاً، دخلت الى القطاع شاحنات محمّلة بالمواد المتفجرة. سجل دخول ما لا يقل عن 20 طن «تي.ان.تي» مموّهة بأنها أكياس طحين واسمنت. وهم يطبخون هناك شيئاً أكبر بكثير مما يخيل إلينا. نحن بتنا نرى تلك الشاحنة ـــــ محمّلة بالموادّ المتفجرة ــــــ تتدهور نحونا من دون كوابح. لكننا ننتظر، مثلما هي الحال دوماً، اللحظة الأخيرة.