حيفا ــ فراس خطيب
في إطار الكشف المتتالي عن مخططات إسرائيلية، كانت الدولة العبرية لا تقرّ بها إلى الأمس القريب، يتحدث كتاب «حرب الظلال» للصحافي الإسرائيلي يوسف أرغمان عن محاولة لاستهداف رئيس وزراء لبنان الأسبق، رياض الصلح


يكشف كتاب «حرب الظلال»، الصادر حديثاً عن وزارة الدفاع الإسرائيلية، أنه في شتاء عام 1949، صدر قرار إسرائيلي واضح باغتيال رياض الصلح، وتنفيذ العملية في قلب بيروت. ويشير إلى أن التخطيط للعملية بدأ في الغرف المغلقة للاستخبارات الإسرائيلية بعدما رأت تل أبيب أن الصلح «أكثر المتطرفين من بين المعارضين»، وخصوصاً أنَّه عمل جاهداً من أجل إقامة جبهة موحدة مناهضة للدولة العبرية، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه موشيه شاريت، إلى تأييد اغتياله بشكل كبير.
ويدّعي الكتاب أن الصلح «أقام اتصالات مع زعماء الصهيونية»، إلا أن «موقفه تبدل كلياً» وصار عدائياً لإسرائيل. ويصف كتاب «المستعربون الأوائل» الصلح بأنّه مصمّم للغاية على دخول الدول العربية إلى قلب فلسطين التاريخية.

متفجرات في جثة

كان التخطيط يقضي باغتياله في لبنان أثناء طريقه من بيته إلى مكتبه الحكومي صباحاً، بواسطة إلقاء جثة كلب متعفنة، محشوة بالمتفجرات، وتشغيلها عن بعد عند مرور موكبه. ألقيت مهمة اغتيال الصلح على يعكوفا كوهين، أحد كبار وحدات المستعربين، والذي كان موجوداً في لبنان. وهو يهودي من أصلي فارسي، ولد في القدس المحتلة، انتمى إلى عصابات «البلماح» وتجند لوحدة لـ«المستعربين»، وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، وعمل لمصلحة الإسرائيليين في الدول العربية.
يعدّه الإسرائيليون، حتى اليوم، «شخصية خاصة جداً في عالم الاستخبارات»، و«صاحب الأجنحة الحمراء» أو «كبير مقاتلي العمليات السرية في إسرائيل». شارك في العديد من «العمليات الاستخبارية السرية»، وعمل في دول عربية كثيرة، منها سوريا ولبنان ومصر. كان يشبه العرب إلى حد كبير، وأحياناً كان يغيّر شكله. مات كوهين في عام 2003 عن عمر يناهز الـ72 عاماً.
صدر الأمر النهائي لاغتيال الصلح. في ذلك الحين، كان كوهين في بيروت برفقة عددٍ آخر من المستعربين. وينقل الكتاب الإسرائيلي رواية محاولة الاغتيال على لسان كوهين، من خلال حوار جمع الكاتب بكوهين قبل موته. ويشير كوهين إلى أنه كان يعرف أين يسكن الصلح، لكنه لم يعرف برنامجه اليومي. وقال «استطعت تلقّي بعض المعلومات عنه من الجريدة. فقد نشروا مواعيد جلسات الحكومة والبرلمان، إضافة إلى مواعيد كثيرة كان على رئيس الحكومة أن يشارك بها. اعتدت على متابعته، من البيت حتى البرلمان. وتعلمت مسار تنقله». وأضاف أن الصلح لم يتمتع بحراسة شديدة «أحياناً، كانت بعض الدراجات النارية تمر قبله، وأحياناً كان يسير وإلى جانبه حارسان شخصيان داخل السيارة فقط».

نقص في منظومات التوقيت!

حسبت مجموعة المستعربين الموجودين في بيروت المدة الزمنية الفاصلة بين بيت الصلح والبرلمان، ووجدت أنّها سبع دقائق تقريباً. وقد صعّب قصر المسافة على المجموعة مهمة وضع العبوة الناسفة. لم تكن بحوزة العصابة منظومات توقيت للتفجير تلائم الوقت المحدد. امتلكت المجموعة منظومات توقيت تشغيل لأكثر من 15 دقيقة، وهم كانوا بحاجة إلى منظومات لأقل من 10 دقائق.
كانت هذه المنظومات من تطوير بريطاني، وأطلق عليها الإسرائيليون اسم «عفرونوت» (أقلام رصاص)، ولم تكن دقيقة إلى الحد المطلوب. وفتش أعضاء العصابة عن طريقة أخرى، وطلبوا من الإسرائيليين أن يبعثوا لهم منظومات لوقت أقل من أجل وضعها في طريق الصلح.
وافقت السلطات الإسرائيلية على طلب المستعربين، لكن بعد وقت قصير من القبول، تلقى أعضاء الخلية الإسرائيلية أمراً جديداً، «لا وقت الآن، عليكم تنفيذ المهمة حالاً». وبحسب رواية كوهين، طلب الإسرائيليون من خليتهم أن «يحضروا كلباً يملأونه بمواد متفجرة، ويلقوه وسط الشارع، ويربطوه بمنظومة تفجير لتشغيله».
الخطوة لم تلق استحسان الخلية الموجودة في بيروت، كما أوضح كوهين: «قلنا لهم ماذا؟ هل جننتم؟ علمنا في الصباح فقط من اليوم نفسه (من الجريدة) أن الصلح يخرج في ساعة معينة من بيته. متى سنجد كلباً؟ نفرغه ونملأه بمواد متفجرة؟ وكل هذا قبل أن يخرج الصلح من بيته».
ونظراً لصعوبة الخطة، اقترح كوهين تصفية الصلح بتفجير 20 لتراً من المواد المتفجرة من صناعة ذاتية. وربط المتفجرات بمنظومة التفجير ووضع العبوة الناسفة في الطريق، وإيصال خيط منها إلى زاوية ضيقة، وعندما يلامس دولاب السيارة الخيط سيولد الانفجار. وقال كوهين: «كل ما أردته هو أن يبلغني أحد متى سيغادر الصلح بيت عائلته، لأربط الخيط وأهرب». لكنَّ المسؤولين الإسرائيليين رفضوا الاقتراح.
بعد السجال والاقتراحات المتبادلة بين وحدة المستعربين في بيروت والمسؤولين في تل أبيب، وصلت أوامر إلى الخلية الإسرائيلية بالتوقف عن العملية، كي يبعثوا لهم بمنظومات تفجير قصيرة المدى. وقال الإسرائيليون للخلية الموجودة في بيروت إنهم سيبعثون لهم الأغراض بواسطة طائرة من طراز «فايفر» (طائرة صغيرة استعملها الإسرائيليون للنقل). وطلب من الخلية أن تجد مكاناً للهبوط.
فرح كوهين لاقتراح المسؤولين، لكن من الصعب عليه أن يجد في لبنان مكاناً لهبوط الطائرة، نظراً للتضاريس الجبلية. وقال كوهين إن «المكان الوحيد الذي يمكن للفايفر الهبوط فيه هو البقاع أو زحلة، أو بعلبك». لكن في نهاية المطاف، وجد أعضاء الخلية الإسرائيلية، بحسب الكتاب، أن مطار المدينة، الذي كان قيد البناء في حينه في منطقة خلدة، هو الأفضل.
وقال كوهين: «في النهار، كان اللبنانيون يعملون على تسوية الأرضية هناك، وفي الليل كان المكان خالياً ومتروكاً». تجول أعضاء الخلية الإسرائيلية في المكان ووجدوا مكاناً مثالياً للهبوط. وانتظر أعضاء الخلية الإسرائيلية العلامة من مسؤوليهم. لكن العلامة لم تأت.

الإسرائيليون يتأخرون

يقول كوهين: «رأيت أنهم (الإسرائيليون) يتأخرون عن قصد، ولا يريدون تنفيذ المهمة. في ليلة ما قلت لأبو يسحيك، (يتسحاك شوشان ـــــ من أعضاء الخلية)، إني أريد أن أنفذ العملية من دون منظومات التوقيت، فعلى جميع الأحوال لدينا أوامر لا تراجع عنها من أجل التنفيذ. هذه فرصة وأنا لست بحاجة إلى مصادقة أحد».
أصدقاء كوهين الموجودون معه لم يعجبهم ما قاله وأبلغوا القيادة عن نواياه. ووصلت كوهين تحذيرات قيادية على نمط «إياك أن تفعل، لا تتورط، هذا جنون». ولم تنفذ عملية الاغتيال. ولم يذكر الكتاب ولو كلمة واحدة عما حدث، ولماذا كانت القضية ضرورية جداً بالنسبة إلى الإسرائيليين ولم تنفذ في ما بعد؟