هآرتس ـ جدعون ليفي
هذا الأمر كان أشبه بأرجوحة هوجاء: في البداية ثارت الحماسة الغريزية الكبيرة، ومن ثم جاء الهبوط في صبيحة اليوم التالي. خلال ساعات قليلة، تأرجحت إسرائيل بين احتفالها بتصفية عماد مغنية والخوف الذي ساد في ما بعد. «الإنجاز الاستخباري الهائل» كما «التنفيذ النموذجي للعملية» و«إهانة الأسد» تبدلا في رمشة عين في ظل «حملة تحذيرات» تبث الرعب في صفوف هيئة مكافحة الإرهاب: لا تسافروا ولا تظهروا هويتكم الحقيقية ولا تتجمهروا، توخَّوا الحذر، حالة تأهب قصوى في الشمال وفي كل السفارات الإسرائيلية في الخارج وفي التجمعات اليهودية في أرجاء العالم. إن كانت هذه هي المخاطر التي تتربص بنا، فيجب أن نسأل: من أجل ماذا كنا بحاجة إلى هذه التصفية؟
من قتل عماد مغنية لعب بالنار مرة أخرى، وهي نار خطيرة بدرجة لا توصف. لقد ألحق الأذى بأمن إسرائيل، وإن كانت هي التي تقف وراء الحادث، فيجب أن نتساءل إن كانت هناك ذرة من التبصر والحكمة في هذه العملية، وإن لم تكن هي، فمن الأفضل أن تسارع أجهزتنا التجسسية المجيدة إلى البرهنة عن ذلك قبل المصيبة المقبلة. هل أصبح وضع مواطني إسرائيل الأمني أفضل من السابق؟ وهل وُجِّهَت ضربة فعلية للإرهاب من خلال ذلك؟ التاريخ يدل على أن ألف تصفية كهذه لا يمكنها أن تفعل ذلك. سلسلة تصفيات القادة على يد إسرائيل، كلها «عمليات» أثارت نشوة بالانتصار، إلا أنها سرعان ما تبدلت، ولم تجلب علينا إلا عمليات انتقامية قاسية ومؤلمة في إسرائيل والعالم اليهودي وظهور وتنامي عدد لا يقاس من البدائل التي لا تقل مقدرة عن أسلافها، وتفوقها مهارة أحياناً.
نحن لم نجرِ حسابات حقيقية مع المسؤولين عن هذه التصفيات، ولم نملك إلا أن نشعر بالانفعال والحماسة من هذه العمليات وطريقة «تنفيذها» الحاذقة. يا إلهي كم نحب التباهي في حكايات البطولة الطفولية هذه.
الآن لدينا إيهود باراك، وزيراً للدفاع، ومئير دغان، رئيساً للموساد، وكلاهما من أكبر هواة التصفيات وعمليات جيمس بوند. مَن كان يكلف نفسه عموماً ذكر اسم دغان الآن لولا تلك التصفية التي جرّت وراءها سلسلة مقالات تعبِّر عن إعجابها برئيس الموساد. لذلك، مع الثنائي «باراك ودغان» تثور الشبهات القوية بأن أصابع إسرائيل هي التي كانت من وراء هذه العملية أيضاً.
رأينا التصلف والعجرفة واحتفالات الانتصار الوهمية. ما الذي يحتفلون به هنا بحق السماء، سوى الشعور بالانتقام والبدائية الغريزية التي لا يوجد لها مثيل؟
الاحتفال في هذه المرة كان أقصر من السابق. التنفيذ كان نموذجياً فعلاً، لكن الأسئلة التي كان من المفترض أن تسأل قبل العملية سئلت بعدها مباشرة وبتأخر كبير.
«العالم مكان أفضل بعد تصفية مغنية» قال الناطق بلسان الخارجية الأميركية متفاخراً. مكان أفضل؟ هناك شك في ذلك. مكان أقل أماناً؟ بالتأكيد.