معاريف ـ عاموس غلبوع
ثمّة أسئلة أربعة تطرح نفسها في أعقاب تصفية عماد مغنيّة وتأبين نصر الله له. السؤال الأوّل هو، من قام بالتصفية؟ شخصيّاً، ليس لديّ أية فكرة. هناك دول وجهات عديدة صاحبة مصلحة واضحة في اغتياله، وهي تملك قدرات عملانيّة واسخباريّة لتنفيذ ذلك في دمشق. لكن فقط في إسرائيل انطلق تسونامي ثرثرة إعلامي فيه الهمز والابتسامات المخفيّة لأولئك الّذين يعرفون الحقيقة ولآخرين يزعمون أنهم مطلعون عليها. صحيح أنّ حزب الله اتّهم إسرائيل، حتّى قبل أن يعلم بما جرى بالضبط، لكن لماذا نعطيه ما يريد، وأمام كلّ العالم، ونتصرّف كلص عليه كل أدلة الجريمة؟
إن كنّا نحن من نفذ الاغتيال، فعلينا الصمت! فعلى أيّة حال، لقد تحقّق مفعول التصفية التخويفيّ المباغت ورسالة التهديد الّتي تضمنها إلى كلّ «أعداء إسرائيل». تحقّق بمجرّد إقرار حزب الله وإيران بأنّ يد إسرائيل والصهاينة الطويلة وصلت إلى عقر دارهم. وإن لم نكن نحن من يقف وراء الاغتيال، فبالتأكيد يجب الصمت! الرغبة في «التبجّح» مفهومة وطبيعيّة، إذ إنها ترفع معنويات الشعب، وتُنسي سديروت لبضعة أيّام، وتزيد الأسهم السياسيّة لرئيس الحكومة، الّذي يثبت لشعب إسرائيل أنّه قادر على اتّخاذ قرارات أمنيّة من الدرجة الأولى، رفض أسلافه اتّخاذها.
إلا أن الضرر (الذي تلحقه الثرثرة) غير صغير وهو يقودنا إلى السؤال الثاني، ماذا بعد؟ نصر الله هدّد بأنّ حزب الله سيردّ. ليس في جنوب لبنان، بل في أيّ مكان في العالم، ضدّ أهداف إسرائيليّة وصهيونيّة. سيردّ بالتأكيد، ربما بعد ثلاثين يوماً من تشييع مغنيّة (كما حصل بعد تصفية عبّاس الموسوي في 1992، بضرب السفارة الإسرائيليّة في الأرجنتين)، أو في عيد الفصح، أو في أيّ زمان ومكان يختارهما. عامل المفاجأة، في هذا المجال، بيديه.
في هذا السياق، ينبغي أن ندرك أنّ حزب الله، في نهاية المطاف، هو أداة تنفيذيّة لإيران، وفي العلاقة الأوسع هو أداة تنفيذيّة لـ«محور الشر»، الّذي تلقّى ضربة قاسية بتصفية مغنيّة؛ بكلمات أخرى، تماماً كما حصل في الأرجنتين في التسعينيات، فإنّ إيران هي من يقرّر كيف، أين ومتى يحصل الانتقام، وهي ستكون مسؤولة عن التخطيط، وعن تأمين مختلف الوسائل عبر بريدها الدبلوماسي، وهي الّتي ستنشط بشكل خاص في أوساط السكّان الشيعة في أنحاء العالم (ولا سيّما في غرب أفريقيا وأميركا الجنوبيّة). قد تقدّم سوريا شيئاً ما لذلك. أي إنّنا معرّضون لعمليّات إرهابيّة من «محور الشر».
إسرائيل باشرت فعلاً خطوات دفاعيّة، لكن الأمر الأساسي الضروري الآن هو التفكير وتخطيط الكيفية التي ستكون عليها سياسة ردّنا حيال وفي أعقاب عمليّة قتل جماعيّة ضد هدف إسرائيلي أو يهودي خارج البلاد. هل نهدّد قبل الضربة، لكن نغضّ النظر بعدها، ونقول إنّنا «نرى ذلك خطيراً»؟ أم نهدّد وفي الحقيقة نردّ بقوّة؟ أم لا نهدّد مطلقاً؟ في كلّ واحد من هذه الاحتمالات ستواجهنا عقبة حقيقة أنّ المجتمع الدولي (على الأقلّ الولايات المتّحدة الأميركيّة) قد يقول لنا: أنتم وحدكم! أنتم صفّيتموه، إذن، كفّوا عن البكاء إذا ما انتقم منكم «الأشرار». وهم محقون في ذلك.
السؤال الثالث، إلى ماذا تشير عملية الاغتيال في دمشق؟ هناك مقاربة تفيد بأنّ سوريا، بقيادة بشّار الأسد، خاضعة لعناق دب من جانب إيران وأنها ترغب في التخلّص من هذا العناق والانتقال إلى عناق «الغرب» الدافئ. ربّما كان الأمر كذلك وربّما لا. لكن، يخال لي أنّ أمراً واحداً مؤكّداً وهو أنّ سوريا ليست محتَضنة من الإرهاب. بل هي من يحتضنه بشكل شبه مفهوم ومنهجي وصارم منذ عشرات السنين. مغنيّة كان أحد المعانقات الشخصيّة للقيادة السوريّة.
والسؤال الرابع، هل هناك بديل لمغنيّة؟ كلّ المعترضين على الاغتيالات، أينما كانوا، يتوهمون أنّ لكلّ شخص بديلاً، ويمكنه أن يكون أسوأ ممّن صُفّي. بالنسبة إلينا، حصل ذلك مع نصر الله الّذي خلف عبّاس الموسويّ في أعقاب تصفيته. وعموماً، التصفية تثير الغضب وتزيد سفك الدماء فقط.
برأيي، هذه مسوّغات عقيمة تعطي لكلّ إرهابيّ قاتل حصانة أبديّة وشهادة كفاءة للاستمرار بأعماله. على المستوى العملي، هناك من لهم بدلاء وهناك من لا بدلاء لهم. فعلى سبيل المثال، في لبنان، وقف السوريّون وراء مقتل بشير الجميّل، القائد العسكريّ والسياسي للمعسكر المسيحي. حتّى اليوم لم يكن له بديل مؤثّر داخل هذا المعسكر. أمّا لمغنيّة فسيكون هناك بديل، هذا مؤكّد، لكنه لن يكون بديلاً منه في المدى المنظور.