هآرتس ــــ أوري شبيت
وفق مصادر أجنبية، فإن إسرائيل هي التي هاجمت منشأة استراتيجية في شرق سوريا في 6 أيلول 2007. ووفق مصادر أجنبية، هناك حيّز للافتراض بأن إسرائيل هي التي اغتالت إرهابياً كبيراً في شرق دمشق في 12 شباط 2008. ثمة الكثير من النقاط المشتركة في العمليتين اللتين نفذتا على أرض سورية. فهما أثبتتا قدرة استخباراتية مميزة، وقدرة تنفيذية متفوّقة وفطنة سياسية. وبما أن العمليتين تركزتا على أهداف محرجة للأسد، فقد خلقتا وضعاً أصيب فيه الحاكم السوري إصابة قوية ولا يستطيع الرد.
خلال نصف سنة، وُجهت إلى الرئيس السوري ضربتين. في القدس انتظروا، وفي دمشق تمالكوا أنفسهم. بعد الفشل في صيف 2006، تبدو إسرائيل أنها الآن تختار الساحات المريحة لها، والمجالات التي تنجح فيها بإظهار قوتها. وبهذا، أعادت لنفسها للوهلة الأولى، شيئاً من الردع الذي سُحق في أعقاب الإدارة الفاشلة لحرب لبنان الثانية.
في الستينيات، كان لإسرائيل رئيس حكومة عاقل. في الرد على القصف السوري المتكرر في الحدود الشمالية قال ليفي أشكول: الدفتر مفتوح ونحن نسجّل. في أعقاب ما اعتبر في سوريا أنهما هجمتان إسرائيليتان على سيادتها، يطرح السؤال نفسه حول إن كان الدفتر في دمشق مفتوحاً حالياً والتسجيل جارياً فيه، وحول إن كان الأسد ضعيفاً، أم عاقلاً. هل سلّم بالتفوّق الظاهر والمكشوف لإسرائيل، أم أنه ينتظر الفرصة لإغلاق الحساب ولدرس ما جرى تسجيله على الدفتر.
لا أحد يعرف الإجابة. الرئيس السوري الشاب هو شخص معقّد ومفاجِئ. من جهة، ينساق وراء الجرأة المناكفة لحسن نصر الله، ومن جهة ثانية، هو قلق على مستقبل حكمه. من جهة، هو يجازف بجرأة لتحدّي إسرائيل، ومن جهة ثانية، في لحظات الاختبار يتصرّف بحذر شديد.
الأسد ليس إيهود أولمرت أو عامير بيرتس أو دان حالوتس. لا يطلق النار فوراً ولا يرد بشكل متهوّر على الاستفزازات. لذلك من الصعب التقدير في أي نقطة سيثور ويتمزق صبره. لا نعرف متى سيؤدي تصرّف إسرائيلي عنيف إلى عدم ردعه وجرّه إلى العمل بمسار عنيف ومضاد ومباشر.
لا نعرف، لكن يجب العمل. فقد مرّت ثماني سنوات ولم تقم إسرائيل بعمل سياسي حقيقي مقابل سوريا. موفدون جالوا ذهاباً وإياباً، أطلقت بالونات اختبار، لكن لم يتّخذ أي قرار حاسم بمد اليد إلى دمشق.
لماذا؟ لأن إدارة أميركية عديمة الفهم السياسي شجعت حكومات إسرائيلية عديمة المسؤولية على إدارة الظهر للسوريين. لأن لوبي السلام المحلي فضّل مفاوضات عملية مع سلطة فلسطينية افتراضية عوضاً عن تجربة واقعية تستوضح إمكانية التوصل إلى تسوية حقيقية مع الجار الشمالي.
السلام مع سوريا ليس سلاماً مثيراً. فهو لن يخضع مستوطنين ولن يؤدي إلى الشفاء من الشعور بالذنب. بل سيقرّب السوريين إلى بحيرة طبريا ويبعد عن إسرائيل المنتجعات الفاخرة والمستجمين الأحباء. لكن السلام مع سوريا سيبعد نصر الله عن محمود أحمدي نجاد؛ سيعزل إيران وسيحيط إسرائيل بحلقة أنظمة سياسية باردة لكن مستقرّة. في شرق أوسط آخذ في الغرق بالظلام، من شأن السلام مع سوريا أن يوقد مشاعل الأمل وأن يخلق انعطافاً استراتيجياً هامّاً.