يديعوت أحرونوت ــ دوف فايسغلاس
رفعت إدارة الرئيس بوش علاقات الصداقة الإسرائيلية ـــ الأميركية إلى الذروة: دعم حاسم لقدرة الردع الاستراتيجية، ومساعدات مالية سخيّة للحفاظ على التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل حيال خصومها، ودعم سياسي كبير لمعظم مواقف إسرائيل في علاقاتها بدول العالم والمنطقة والسلطة الفلسطينية، وتعاون واسع في مجال المعلومات والتكنولوجيا الأمنية والاستخبارية، وتقديم الغطاء السياسي لأعمال الدفاع عن النفس وإحباط هجمات الإرهاب الفلسطيني، وتعهّد علنيٌّ بتأييد مستقبلي للمطالب الإسرائيلية الرئيسية حيال الفلسطينيين، وعلى رأسها استمرار السيطرة على الكتل الاستيطانية الكبرى ومنع عودة اللاجئين، وتقديم المساعدة على إحباط خطوات سياسية مفروضة من شأنها أن تمسّ بأمن أو رفاهية دولة إسرائيل. كل ذلك مع إظهار الحساسية والتفهّم والمراعاة لما يجري داخل إسرائيل، للضرورات السياسية الحزبية والرأي العام الإسرائيلي.
هذه ذخائر سياسية من الدرجة الأولى، تضمن استمرار وجود دولة إسرائيل في المنطقة. بعد أشهر سينتهي عصر بوش، والحملة الانتخابية باتت منذ الآن في ذروتها، ومواقف معظم المتنافسين في موضوع إسرائيل هي لغز تام.
في واشنطن، تتعزز الأصوات التي تعتقد بأن الذخائر السياسية لإسرائيل، التي وصفناها آنفاً، هي عبء متزايد الثقل على السياسة الخارجية الأميركية، بسبب ثمنها وتأثيرها على علاقات الولايات المتحدة بالعالم العربي والإسلامي.
إسرائيل مطالبة، بالتالي، بأن تجري على الفور بحثاً وفحصاً جذريين لكلفة الدعم الأميركي: أيّ من بين مرتكزات الدعم مرّ زمنه وانتهت قوته، وأيّ يمكن ترميمه أو تعزيزه؟ كارثة يهود أوروبا مثلاً مثّلت في الماضي أساساً قوياً لمطالبة الدول بمعاملة خاصة تجاه إسرائيل، إلّا أن عشرات السنين التي مرّت على هذا الأمر خفّضت جداً من وزنه.
مكان إسرائيل ومكانتها في أثناء الحرب الباردة، كموقع غربي في قلب منطقة النفوذ السوفياتية، هما الآخران مبرران تبدّدا.
الجالية اليهودية الأميركية، التي لا جدال في مساهمتها الهائلة في تصميم الدعم الحيوي، لم تزدد عدداً، ومن المشكوك فيه أن تواصل في المستقبل الاستثمار في إسرائيل كعادتها اليوم. الانخراط التام والناجح في الحياة الأميركية، كما الابتعاد عن المصدر التاريخي للوجود اليهودي ــــ «العالم القديم» وبيت الجد والجدة ــــ كل هذا يصمّم أنماط الدعم السياسي لحزب أو مرشح وفقاً لاعتبارات عامة، ليس بينها وبين الموقف «الإسرائيلي» صلة.
الجالية اليهودية الأميركية، من خلال منظماتها المختلفة، تفعل في هذا الوقت العظائم في دفع المصالح الإسرائيلية قدماً بأي وسيلة ممكنة، ولكن هذا لن يكون أمراً مسلّماً به مع مرور الأيام. الحياة اليهودية في الولايات المتحدة بدأت تفقد الصلة بإسرائيل، وبالنسبة إلى معظم شباب الجالية لم تعد إسرائيل هدفاً: لا كمكان عيش، ولا كمركز روحي ــــ إيديولوجي، ولدى الكثيرين، لشدة الأسف، لم تعد حتى هدفاً للزيارة. وعليه، فإنه يمكن الافتراض أن دور الجالية اليهودية الأميركية في الحفاظ على المصلحة الإسرائيلية وتقدّمها، لن يزداد.
فور قيام دولة إسرائيل، رأى فيها معظم الجمهور الأميركي جزيرة من الحضارة الغربية في منطقة مختلفة. ومنح الأميركيون إسرائيل وفرة من الدفء، العطف والصداقة، ولا سيما بسبب التمييز بينها وبين نمط الحياة في البلدان المحيطة. كان الأمر أشبه بنمط من التفكير يقول «إنهم مثلنا»: ديموقراطية حيوية ونشطة، سلطة قانون تدير أنظمة قضاء جديرة وتحرص على حقوق الإنسان، تميّز عسكري وإنجازات فاخرة في التكنولوجيا وفي العلوم والثقافة.
يمكن أن يكون مبرر استمرار الدعم كامناً في هذه النقطة الأخيرة: إن الحفاظ على نظام سياسي اجتماعي غربي في الشرق الأوسط وتطويره، يستلزم العمل على حماية دولة إسرائيل. كما أن الترويج لضرورة مواجهة الإسلام المتطرف ــــ في العالم عموماً وفي الولايات المتحدة خصوصاً ــــ سيسهّل ويساعد على بناء مبرر حديث للدعم على المدى البعيد.