strong>مهدي السيد
على الرغم من اعتراف الصحف الإسرائيلية بأن جولة العنف الجديدة على جبهة قطاع غزة، سببها مبادرة الجيش الإسرائيلي الى اغتيال مجموعة من «حماس»، إلا أنها كعادتها، جندّت أقلامها لتحميل الحركة الإسلامية المسؤولية، والدعوة الى البطش بها، من دون إغفال معضلة التعامل مع غزة

جملة من المسائل تطرقت إليها الصحف الإسرائيلية في تعليقها على تصاعد المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وبين الجيش الإسرائيلي على جبهة قطاع غزة، أبرزها الاعتراف بأن جولة التصعيد الحالية اندلعت في أعقاب اغتيال مجموعة من عناصر «حماس» بحجة أنهم يشكلون خطراً على أمن إسرائيل. كما أشارت الى أن الحركة الإسلامية تملي قواعد اللعبة، وأنها تخوض حرب استنزاف، وتريد التحكم في مستوى اللهب، وأن هذا الواقع غير مريح بالنسبة إلى الإسرائيليين ما يحتم ضرورة العمل على تغييره، وهنا تكمن المعضلة الحقيقية حيث إن المستويين العسكري والسياسي يتهيبان المغامرة البرية المكلفة، ويحاولات معالجة هذا الواقع بالحصار الاقتصادي والسياسي، وبعمليات الاغتيال.
ويشير محلل الشؤون العسكرية في صحيفة «معاريف»، عامير ربابورت، الى حقيقة أن «المسافات الزمنية الفاصلة بين جولة عنف شديدة وأخرى، آخذة في التقلص، وكل جولة أكثر عنفاً من سابقتها. السكان تحت الضغط، وكذلك المستوى السياسي في إسرائيل، حيث إن مشاهد المعاناة والخوف، تُظهر إسرائيل والجيش الإسرائيلي كعاجزين».
وأقر ربابورت بأن إسرائيل هي من بادر الى «جولة العنف التي اندلعت»، مشيراً إلى أن «المعضلة قبل الهجوم لم تكن سهلة: هل تتم مهاجمة السيارة وضمان التعرض لهجوم صاروخي شديد على نحو خاص يطال المستوطنات الإسرائيلية، أم الامتناع عن الهجوم والمخاطرة بحصول عملية من شأنها أن تكون أكثر قتلاً بكثير؟ لكن في النهاية تقرر المهاجمة، لكن الجولة الدموية الحالية لم تنته بعد».
وجواباً عن تساؤل أثاره عن الكيفية التي سينتهي إليها الواقع الراهن، رأى ربابورت أن «المسافات الزمنية بين جولة وأُخرى ستستمر في التقلص، وسيُدفع ثمن دموي إضافي من كلا الطرفين، وعندها سيحصل أمر من اثنين: إما أن يسود هدوء مفاجئ، وإما أن تحصل العملية البرية الواسعة جداً التي يجري الحديث عنها ضد قطاع غزة».
وختم الكاتب بالقول إنه «في جميع الأحوال، في هذه الأثناء، إلى أن تحصل العملية البرية، إذا حصلت، لا مفر من الجزم بأن حماس هي من تملي قواعد اللعبة، وأنها تخوض حرب استنزاف».
وفي السياق، رأى المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئل، أن «حماس» ردت على عملية الاغتيال بحق رجالها في خان يونس من خلال «عرض جوهري» لجزء من الوسائل التي تحت تصرفها. ولفت هرئل إلى أن «أصحاب القرار في التصفية في خان يونس ــــــ رئيس الوزراء، وزير الدفاع وينبغي الافتراض وزيرة الخارجية أيضاً، أخذوا بالحسبان الرد الشديد المتوقع»، مشيراً الى أن «حماس تحاول منذ فترة طويلة تثبيت ميزان ردع حيال اسرائيل في القطاع: مقابل كل ضربة لعدد كبير من رجالها، ترد بوابل كثيف من الصواريخ»، على اعتبار أن «حماس» تعتقد، بحسب هرئل، بأنه «اذا دفعت اسرائيل ثمناً لا يمكنها تحمّله على التصفيات، فإنه كفيل بأن يردعها عنها».
أما الكسندر يعقوبسون، فرأى في «هآرتس»، أن «حماس معنية في هذه الفترة بحرب استنزاف ضد اسرائيل، وهي تريد أن تجعل اسرائيل تعتاد صواريخ القسام التي تطلق على التجمعات الجنوبية، وردعها من الرد بعنف وقوة». ويضيف إنه «في ظل هذا الوضع، لا مفر من استخدام القوة العسكرية، وأن من أيد الانسحاب من غزة ويؤيد القيام بانسحابات أخرى في المستقبل هو أول من يجب عليه أن يقول إن من المحظور أن تكون إسرائيل عاجزة في مواجهة النيران التي تطلق من المنطقة التي انسحبت منها».
وإذ يُقرّ يعقوبسون بعجز الوسائل العسكرية عن إيجاد حل لمشكلة سياسية، إلا أنه يشير إلى أن «أحداً لن يرغب في التوصّل الى حل سياسي مع إسرائيل إن لم يكن لديها رد عسكري فعّال على الهجمات التي تشنّ عليها».
بدورها، قالت «هآرتس»، في افتتاحيتها، إن «عشرات الصواريخ التي أُطلقت من القطاع وضعت الجيش على حافة الاجتياح الكبير للأراضي الفلسطينية. وإن هذا الأمر سيصبح عما قريب مسألة لا بد منها، إلا أن منعه ما زال ممكناً حتى الآن».
وألقت الصحيفة بالمسؤولية عن التصعيد على كاهل الفلسطينيين، معتبرةً أن من حق اسرائيل أن «تخافظ على سيادتها التي تخترق كل يوم»، متجاهلة تماماً واقع الحصار والاحتلال والعدوان.
وربطت الصحيفة «منع تدهور الوضع نحو الاجتياح المكثف لغزة، بتولي قوى خارجية كبح جماح حماس، وخصوصاً الرئيس بوش وحسني مبارك، اللذين يقوم رسلهما الكبار ببذل مساع سياسية كبيرة، إلا أنها عقيمة وغير قادرة على إطفاء اللهب حتى الآن».
وفي السياق، قال المراسل العسكري لـ«يديعوت أحرونوت»، اليكس فيشمان، إن «ردود حماس على نشاط الجيش الإسرائيلي ستكون أكثر وقاحة وأكثر عنفاً، والمزيد من الإسرائيليين سيقتلون وسيصابون، الضغط الجماهيري سيتصاعد، وهكذا سنجد أنفسنا ـــــ بسبب سياسة معوجة ـــــ في حرب لم نرغب فيها وفي التوقيت الأقل راحة».
وتوقف فيشمان «عند عدم تحمس القيادة السياسية والجيش لاحتلال القطاع من جديد، وعند حقيقة تهرب الجميع من المخاطر في إطفاء الحريق»، سائلاً «ما العمل في هذه الحال؟» ليخلص الى الجواب «ليس لديهم أي فكرة»، و«هم أي المستويان السياسي والجيش، في هذه الأثناء، يستخدمون الضغوط الاقتصادية، النفسية والعسكرية ويتظاهرون بأنه يمكن السيطرة على مستوى اللهيب، بينما حماس فهمت المبدأ، وهي تفهم أن الاستراتيجية تبدأ وتنتهي في الحفاظ على مستوى اللهيب»، وأنها تنظر الى ضبط النفس على أنه تردّد. ودعا الى ضرورة «معالجة البنى التحتية العسكرية والسياسية لحماس من دون توقف».