strong>مهدي السيّد
دخل المعلّقون الإسرائيليون في عملية «عصف فكري» عقيمة حول مروحة الخيارات الإسرائيلية السياسية والعسكرية المتاحة لمواجهة الوضع المعقّد في غزة، حيث أفضت هذه العملية إلى نتيجة جامعة حاسمة، مفادها أنه «لا حل عسكرياً»، فيما الحل السياسي متعذر لأسباب مختلفة

انشغل الكتّاب الصحافيون الإسرائيليون في البحث عن السبل الآيلة للخروج من المستنقع الغزاوي، حيث استنفرت صحيفة «معاريف» تحديداً أبرز معلقيها في الشؤون الأمنية والعسكرية والسياسية والغربية، للتصدي للتحدي الذي يواجه إسرائيل مقابل الواقع في غزة، حيث تراوحت الدعوات بين جملة خيارات منها ما يرى الحل في التفاوض مع «حماس» أو تدويل النزاع مع غزة، في مقابل آراء أخرى لا ترى جدوى في أي من الخيارات السياسية والعسكرية على حد سواء.
ودعا عميت كوهن في «معاريف» إلى ضرورة كسر المحظور والتحدث مع «حماس»، رغم ما يعنيه هذا الأمر من اعتراف جزئي بالحركة، ورغم الإجماع السياسي والأمني الإسرائيلي على رفض ذلك، وخصوصاً أنه يوجد في غزة اليوم «صاحب بيت واضح».
وركز المراسل العسكري لـ«معاريف»، عمير ربابورت، على أنه «لا يمكن لأي عملية عسكرية إسرائيلية أن تضمن الهدوء لزمن طويل للمستوطنين في المستوطنات المحيطة في غزة»، معتبراً أن «النقص الأكبر للخطوة البرية الأوسع، فضلاًَ عن التخوف الكبير من الإصابات، هو أن الجيش الإسرائيلي من شأنه أن يعلق على مدى زمن طويل في عمق قطاع غزة من دون خطة خروج».
ورداً على دعوة البعض إلى تعزيز نهج التصفيات، يشير ربابورت إلى أن سياسة التصفيات، التي ترافق إسرائيل على مدى عشرات السنين، عملياً، لم تثبت نفسها كوسيلة للقضاء على المقاومة.
بدوره، رأى المعلّق السياسي في «معاريف»، عوفر شيلح، أن «كل يوم يقرب إسرائيل من العملية العسكرية التي بعدها لن تكون أي قواعد لعب جديدة». وأضاف أنه «حتى من يؤيد الحوار مع حماس، مثل شيلح، لا يمكنه أن يؤكد بأن التسوية معها بالفعل ستجلب الهدوء، ناهيك عن أن الأغلبية المطلقة من الجمهور ومن السياسيين تعارض مثل هذا الحوار تماماً مثلما تعارض الحديث مع حزب الله». ويرى أن «كل ما يحصل الآن هو أن الجيش الإسرائيلي يعزز الوضع، ولا أحد يجرؤ على القول إنه ليس لديه بديل أفضل».
أما معلق الشؤون العربية في «معاريف»، جاكي حوجي، فقد دعا إلى «تبنّي الخيار الدولي»، معتبراً أن «آلية منسقة من الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على حماس ستضمن الهدوء». واستند في موقفه إلى الدراسة التي أعدّها داني بيركوفتش، الباحث في معهد بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، حيث فحص مصادر قوة حزب الله وتوصل إلى الاستنتاج بأن خطوة متداخلة فقط ستمنح فرصة لإسرائيل في التغلب على الحزب».
ويرى حوجي أن «هذه الاستراتيجية جديرة بالتبنّي في غزة أيضاً. وهي تنطوي على نفَس طويل وخطوة حكيمة، أساس وزنها بالذات في الساحة السياسية ـــ المالية. تشارك فيها مصر والأردن، تحت مظلة أميركية ودعم أوروبي. كما أن جملة الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية التي ستمارس على سوريا كفيلة بأن تدفعها إلى إعادة النظر في موقفها». وتابع أن «الخيار العسكري سيكون الفأس المسلطة على سماء غزة، وستستخدم كأداة عقاب أليمة وقصيرة المدى. لكن النقص البارز لهذه الاستراتيجية المتداخلة هو الزمن الطويل اللازم لخطوات من نوعها».
وفي السياق ذاته، قال المراسل السياسي لـ«معاريف»، بن كسبيت، إن «العملية العسكرية في غزة لن تحلّ المعضلة ولا أحد يملك حلاً لهذه الدوّامة الفتاكة إلا توازن جديد للرعب». وإذ رأى أن «تواصل التصعيد من قبل حماس يقرّب العملية شيئاً فشيئاً». وأضاف أنها «لم تصل بعد لأن الجميع تقريباً يعرفون أنها لن تجلب الحل الحقيقي. فالوضع مركب، وليس هناك ما يمكن تجديده هنا».
وتساءل بن كسبيت «ماذا بعد؟ هل سنبقى هناك أم نخرج؟». ورأى أنه «ليس هناك من يريد البقاء أو يستطيع. هذه مصيدة موت في مستنقع رملي من النوع الذي أدى إلى انفراط الاتحاد السوفياتي في أفغانستان والولايات المتحدة في فينتام». وتابع «هل سنخرج من هناك بعد العملية؟ ومن الذي سنسلّمه المفاتيح؟».
وهذا بالذات، بحسب كسبيت، ما يعكف الجيش الإسرائيلي الآن على إعداده والتفكير فيه: استراتيجية للخروج. «العملية ذاتها أصبحت جاهزة منذ زمن. هل سيكون الحل بجلب قوات دولية؟ وهل سينجحون في الإمساك بزمام الأمور في ظل ما نراه الآن في جنوب لبنان؟ إعادة أبو مازن؟ هذه نكته ممتازة. شرطيون فلسطينيون يسيرون نحو رفح في حماية بنادق الجيش الإسرائيلي، باختصار ليس هناك حل».
وفي «يديعوت أحرونوت»، رأى إيتان هابر أنه «لا يوجد حل سحري لمشكلة القسام. والظاهر أن الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى دفع ثمن انتصاراته الصغيرة السابقة بإعادة احتلال غزة مرة أخرى».
وسأل هابر: «ما العمل؟». وأجاب أنه من «المستحيل الصمت والتجلد في الوضع الحالي. فثمة حدود لكل عبث وسيكون بيننا كثيرون، وليسوا بالذات جاهلين، ممن سيقولون: لنحتل غزة، لنمحُها. فمن أجل مثل هذا الحل لا حاجة لأن ينهي المرء بامتياز مدرسة الحرب. هذا، بالضبط، الحل الذي تريده حماس ـــ شرك لقوات الجيش الإسرائيلي التي ستنجح، ربما، في احتلال هذا القطاع اللعين، ولكن بثمن باهظ لا يطاق بحياة الإنسان. ليس فقط الجيش الإسرائيلي تعلّم الدروس من الحروب، بل وحماس أيضاً».
وأضاف هابر أن «الحقيقة وحشية، لاذعة، عسيرة الهضم: لا يوجد في هذه المرحلة حل مناسب لمشكلة القسامات»، مضيفاً أن «ألف ساحر مثل إيهود باراك، بنيامين نتنياهو أو أفيغدور ليبرمان لن يحلّوا هذه المشكلة».
وفي «هآرتس»، رأى المؤرّخ، موشيه ماعوز، «لا يوجد حل معقول لمشكلة حماس من قطاع غزة، وأن الجيش الإسرائيلي يمكنه بالطبع أن يحتل القطاع، ولكن بثمن باهظ». وأضاف أنه «لا يوجد حل عسكري للمشكلة، ولكن يوجد احتمال لتسوية سياسية وأمنية مع حماس بشكل غير مباشر وبمشاركة عناصر أخرى مثل منظمة التحرير، مصر، السعودية، تركيا وربما سوريا أيضاً. حماس هي عدو أيديولوجي صعب، يتطلع إلى إبادة إسرائيل، ولكن ليس بوسعها أن تحقق هذا الهدف بذاتها بسبب ضعف جيو ـــ استراتيجي واضطرارات سياسية واقتصادية».