مهدي السيد
يبدو أن الحلبة السياسية في إسرائيل بدأت تشهد خلطاً جديداً للأوراق في أعقاب إعلان لجنة فينوغراد نيتها نشر تقريرها النهائي في الثلاثين من الشهر الجاري، ما أعاد إلى الأذهان خلاصات تقرير لجنة أغرانات وتوصياته، التي حققت في إخفاقات حرب يوم الغفران، نظراً لتطابق تاريخ النشر بين التقريرين، وخشية المستوى العسكري تحديداً من انسحاب التطابق الرمزي لتوقيت النشر إلى المضمون

شن المستوى العسكري الإسرائيلي أمس حملة دفاعية استباقية عبر وسائل الإعلام، حذر من خلالها من تبعات تحميله مسؤولية إخفاقات حرب لبنان الثانية، ملقياً كرة المسؤولية إلى ملعب المستوى السياسي.
وفيما كانت أوساط الجيش الإسرائيلي تحبس أنفاسها في انتظار صدور التقرير، كانت الحلبة السياسية الإسرائيلية تتأرجح تحت تأثير عاصفة التعليقات والتوقعات التي هبت من جديد فور الإعلان عن تاريخ النشر، في ضوء التسريبات التي تفيد، نقلاً عن محافل وُصفت بأنها متابعة لعمل اللجنة، بأنه «خلافاً لما يعتقد كثيرون، ستنتهج اللجنة لغة حادة ومعنية تجاه المسؤولين». تسريبات، تولت «معاريف» جزءاً منها، أعادت إلى واجهة النقاش جملة من الأسئلة، بقي معظمها من دون أجوبة حتى الآن، في انتظار تبلور أكثر وضوحاً لمضمون التقرير من جهة، وردود الفعل المؤثرة في حسم الخيارات من جهة ثانية، وأهمها ردة فعل الرأي العام، وكيفية تعاطي وسائل الإعلام.
ومن الأسئلة التي طُرحت بقوة، برزت التساؤلات عن الموقف الذي يتخذه رئيس الحكومة إيهود أولمرت، وكذلك موقف رئيس حزب العمل ووزير الدفاع إيهود باراك، وخاصة أنه سبق له أن تعهد الانسحاب من الحكومة وتقديم موعد الانتخابات عند صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد.
وفي هذا السياق كان لافتاً الموقف الذي أدلى به باراك يوم الأحد، عندما قال إن المستوى السياسي سيتحمل المسؤولية، ما فتح الباب أمام تفسيرات وتأويلات وأسئلة كثيرة عمّا يقصده بـ«تحمل المسؤولية»، وما إذا كان يعني بذلك أنه سيستقيل من الحكومة، وبالتالي وضع مصير الائتلاف الحكومي على كف عفريت؛
إضافة إلى ذلك، سُلِّط الضوء مجدداً على موقف حزب رئيس الحكومة، حزب كديما، من الموضوع بشكل عام، وموقف وزيرة الخارجية تسيبي ليفني بشكل خاص، وذلك في ضوء تقارير إعلامية في «يديعوت أحرونوت»، تشير إلى وجود اتفاق بين عدد كبير من أعضاء كديما على ضرورة السير باتجاه انتخاب رئيس جديد للحزب يحل مكان أولمرت في رئاسة الحكومة أيضاً، إذا لم يتح التقرير لأولمرت مواصلة العمل في منصبه، وفي ظل معارضة شديدة من أعضاء كتلة الحزب في الكنيست لاتفاقه مع باراك على تقديم موعد الانتخابات، وذلك لاعتبارات المصلحة الشخصية بالدرجة الأولى. وفي هذه الحالة، توجهت الأنظار مجدداً إلى ليفني لتحل مكان أولمرت، ولا سيما في ظل تقارير وتسريبات إعلامية تشير إلى تأييد باراك لمثل هذه الخطوة، وترجيحه لخيار كهذا، ينسجم مع التحسن الذي شهدته العلاقة بين باراك وليفني، ومع مصلحة حزب العمل الذي تأمل أوساط فيه أن يؤدي ذلك إلى زيادة فرص توحيد الحزبين في الانتخابات المقبلة، وذلك بغية التمكن من منع وصول بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، حسبما قال مسؤول رفيع المستوى في حزب العمل لصحيفة «معاريف». كما أن من شأن هذا الخيار أن يؤمن المخرج المناسب لباراك لترجمة تعهده اتخاذ موقف مناسب عند صدور تقرير فينوغراد.
في ظل هذا الوضع، تبقى السيناريوات مفتوحة على جميع الاحتمالات، وأبرزها احتمال الحكومة البديلة، أو تقديم موعد الانتخابات بالاتفاق، على الرغم من استبعاد كبير لإمكان مبادرة أولمرت إلى تقديم استقالته، وفق ما أعلنه سابقاً.
ومع ذلك، فإن حكومة بديلة، إذا ما قامت بالفعل، فستستند، بحسب «معاريف»، إلى كديما والعمل والمتقاعدين. وليس واضحاً ماذا ستفعل «شاس» في مثل هذه الحالة. وتقدر أوساط حزبي كديما والعمل أن «شاس» غير معنية بالانتخابات، وبالتالي فإنها كفيلة بأن تبقى في الحكومة. أما رئيس إسرائيل بيتنا، الوزير أفيغدور ليبرمان، فقد أعلن أنه سينسحب من حكومة تدير مفاوضات على مسائل اللباب. وعليه، تقدر قيادات حزب العمل أنه إذا ما خرجت كتلة إسرائيل بيتنا من الحكومة، فإن نواب «ميرتس» سيدخلون إلى الحكومة، بدلاً منهم.
في المقابل، طُرحت مبادرة رئيس كتلة الليكود، النائب جدعون ساعر، لتقديم موعد الانتخابات حتى تشرين الثاني 2008. وقد تحدث مؤيدو المبادرة مع نواب من كتل «شاس»، و«إسرائيل بيتنا»، و«ميرتس»، والأحزاب العربية واليمين. والتاريخ ليس صدفة. هذا أيضاً التاريخ الموعد لانتخابات السلطات المحلية، الأمر الذي من شأنه رفع الدافعية للتصويت وكذا نسبة الاقتراع.
وبالنسبة إلى موقف أولمرت، فقد نقلت «معاريف» عن محافل مقربة منه قولها إنه مشغول الآن بزيارة الرئيس الأميركي جورج بوش. ويدعي مسؤولون مقربون من أولمرت أنه رغم التقرير سيبقى رئيساً للوزراء. وقال مقرب من أولمرت إن «وزراء العمل لن يسارعوا إلى تغيير أولمرت. هذه مجرد أحبولة إعلامية ترمي إلى صرف انتباه وسائل الإعلام عن باراك إلى كديما».
وفي ما يتعلق بوقف الرأي العام الإسرائيلي، أظهر استطلاع «مقياس السلام»، الذي يُجرى في جامعة تل أبيب، أن 66 في المئة من الإسرائيليين و55 في المئة من المصوتين لحزب «كديما» الحاكم، يؤيدون استقالة أولمرت بعد التقرير النهائي للجنة فينوغراد.