«يديعوت أحرونوت» ـ نحمان شاي
عرف حسن نصر الله في نهاية الأسبوع كيف يقدم، مرة أخرى، مفاجآته المتوالية. ففي نهاية مقابلة استمرت 3 ساعات، كما يليق بمخرج ممتاز، أعلن أنه يملك بقايا جثث جنود اسرائيليين، وأنه مستعد للإفراج عنها في إطار تبادل أسرى إذا تم ذلك.
في إسرائيل تنهدوا مرة أخرى. نصر الله لا يخيّب الآمال. كل اتصال له بالإعلام مخطط له ومُعدّ كما ينبغي. هكذا ألمح عشية إعادة جثث (الجنود الثلاثة الذين خطفوا في مزارع شبعا عام 2000) بني ابراهم، وعدي افيتان، وعمر سواعد، إلى توقع مفاجأة كبيرة. في الحقيقة، لم تحدث مفاجأة، لكن التوقعات حصلت. وهذا ما فعله أيضاً عندما باع بقايا جثث جنود الكوماندوس البحري الذين سقطوا في كمين على شواطئ لبنان (أنصارية)، وعرف كيف يرفع سعر المساعد أول ايتمار ايليا بنشر معلومات كاذبة وهادفة. ومن المعلوم أن رجاله وثقوا كل هجوم على اسرائيل في السنين الاخيرة، وخاصة اختطاف ايهود غولدفاسر والداد ريغف.
يرى نصر الله الحرب النفسية على إسرائيل عنصراً لا ينفكّ عن الحرب الإرهابية. هو يعلم ان لا تناسب في القوة العسكرية بينه وبين إسرائيل، إلا أنه يغطي هذه الفجوة بممارسة الضغوط على الجبهة الاسرائيلية الداخلية وعلى «خاصرتها الرخوة»، التي هي على نحو عام عائلات المختطفين او الجنود الذين سقطوا في المعركة. وهو لا يخالف بهذا قادة إرهاب آخرين، لكنه يطور نفسه، وخاصة عندما يستعمل شبكات التلفزة أو مواقع انترنت موجهة ضد العدو، أي ضد إسرائيل.
ليس سر النجاح هو التكنولوجيا فقط بل المضمون ايضاً. في هذا الإطار، نجد توليفاً محكماً بين الصدق والكذب، والمبالغة والخروج عن السياق. في كل مرة نميل فيها الى أن الرجل كاذب ويجب تجاهله، يتبين وجود أكثر من شيء من الصدق في اقواله. يمكن أن نتذكر هنا، خاصة، ذلك البث التلفزيوني في الأسبوع الأول من حرب لبنان الثانية، عندما بشّر بالصاروخ الذي أطلقه رجاله وأصاب بارجة حربية تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي. من نافل القول الإشارة إلى أنه لا أحد في إسرائيل كان يعلم بذلك حينئذ، برغم أن الإعلان أصاب سلاح البحرية بالذعر.
حان الوقت لتدرك إسرائيل أن الحرب النفسية هي عنصر مشروع في الحرب الحديثة مثل أي وسيلة أخرى ترمي إلى أن تهزم العدو. فهي ليست ملكاً للضعفاء فقط أو حقاً من حقوقهم. الدولة أيضاً تستطيع أن تستعمل وسائل هادئه، وخفية، تستطيع أن تؤثر في الروح المعنوية للعدو وقدرته على القتال.
في عالم المعلومات ثمة جزء «أبيض»، وهو المعلومات الجلية التي تظهر في وسائل الإعلام وتصدر عن المصادر الرسمية. وإلى جانبها هناك معلومات «سوداء» أو «قذرة»، يتم نشرها بطرق غير مباشرة وهي تترك تأثيراً على المعلومات الجلية. التوليف بين الاثنتين أمر حيوي ومهم.
في زمن الانتفاضة، بادر رئيس الأركان، موشيه يعلون، إلى إقامة مركز لبلورة الوعي. عمل هذا القسم الذي ولّف بين القدرات الاستخبارية والتنفيذية، بموازاة المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي والجهات الرسمية. بعد حرب لبنان الثانية وتعيين رئيس اركان جديد واستعدادات أخرى للجيش، ثمة مجال للاعتقاد أن هناك تراجعاً عن بعض التغييرات التي أتى بها يعلون، وأحدها «المعركة على الوعي».
هذا خطأ. فليس كل ما كان في الماضي سيئاً، وليس كل تغيير هو إلى الأحسن. يجب العمل، في مواجهة حزب الله و«حماس» والجهاد الإسلامي بل وإيران، على تفعيل نظام حرب معلومات يستخدم المعلومات الجلية والسرية استعمالاً منضبطاً ومتزناً ومحكماً.