strong>محمد بدير
«العمل» يسعى إلى إطاحة أولمرت والحفاظ على شراكته في الحكم مع «كديما»

بدأت الحلبة السياسية في إسرائيل تستشعر الاهتزازات الأولية للزلزال الذي سيحدثه التقرير النهائي للجنة فينوغراد. وإن كان تقدير حجم الحدث المنتظر قد اقتصر حتى الآن على توقعات اتخذت من التقرير الأولي مقياساً للوقوف على معالم التقرير النهائي، فإن تصريحات مسرّبة أمس عن أحد أعضاء اللجنة وضعت الأمور في إطار من الوضوح بات معه استشراف حصول تغيير ما على رأس السلطة في تل أبيب، على خلفية التقرير، أمراً غير مستبعد.
«دراماتيكي وحاسم»، بهذه العبارة وصف أحد الأعضاء الخمسة في لجنة فينوغراد تقريرها النهائي المزمع صدوره في الثلاثين من الجاري. وتوقع العضو نفسه، بحسب ما نقله عنه موقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني، أن تكون للتقرير انعكاسات خطيرة «قد تصل حد تغيير الحكم» في إسرائيل.
ومن المتوقع أن يتمحور التقرير حول عدد من جوانب الإخفاقات التي تكشف عنها عدوان تموز على لبنان، أهمها: قرارات الحكومة في الحرب، والعلاقة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية في ما يتعلق باستخدام القوة العسكرية، وجهوزية الجبهة الداخلية، والخطط العملانية، ونتائج الحرب. إلا أن القضية الأساسية التي سيتناولها التقرير، والتي يُتوقع أن يكون لها الأثر الأكبر في التداعيات المفترضة له، تتعلق بقرار شن العملية البرية الواسعة في الساعات الستين الأخيرة من العدوان. ويدور سجال كبير في إسرائيل حول جدوى هذه العملية التي قتل فيها 33 جندياً ومدى تأثيرها على تعديل مسودة القرار الدولي الذي كان معداً لوقف إطلاق النار.
وفيما يشدد رئيس الوزراء ايهود أولمرت أن العملية أسهمت بشكل جوهري في صدور القرار 1701 بصيغته الراهنة، تشير تحقيقات صحافية إلى أن التعديل الذي طرأ على القرار قبيل تبنيه في مجلس الأمن كان نتاج ضغوط سياسية مارستها الولايات المتحدة في أروقة المؤسسة الدولية وليس ثمرة محاولة الفرق العسكرية الإسرائيلية اجتياح الأراضي اللبنانية.
ومن المرجّح أن تكون لتفنيد مزاعم أولمرت بهذا الشأن تداعيات كبيرة على صعيد الرأي العام الإسرائيلي، إذ سيبدو حينها مسؤولاً مباشراً عن قرارٍ عبثي أودى بحياة عشرات الجنود، وخاصة أنه كان يعلم قبل اتخاذه بأن الوقت الفاصل عن الموعد المحدد لوقف إطلاق النار، الذي لم يكن يتعدى يومين، لا يتيح تحقيق أيّ إنجازات ميدانية.
ووفقاً لعضو اللجنة الذي نقلت «يديعوت» تصريحاته، فإن الحكم الذي سيورده التقرير حيال هذه القضية سيتضمّن معطيات قاسية «وأي قول (فيه)، مهما كان مغسولاً، سيؤدي على الأقل إلى إجراء انتخابات».
وفيما رفض المتحدث الرسمي باسم لجنة فينوغراد التعليق على ما أوردته الصحيفة، ذكرت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي أن الجزء الأكبر من الاستنتاجات القاسية بهذا الخصوص سيكون من نصيب الجيش الذي ضغط لتنفيذ العملية ولم يقدّر صعوباتها وفرصها الواقعية. وأشار مراسل الشؤون العسكرية في القناة، روني دانييل، إلى أن المبررات التي قدّمها أولمرت أمام اللجنة لاتخاذه قرار العملية كانت منطقية. ومن بين هذه المبررات، عدم الاطمئنان إلى التزام حزب الله وقف إطلاق النار في الموعد المحدد وتالياً ضرورة أن يتمكن الجيش من تحسين مواقع تموضعه مع دخول الموعد. وبحسب دانييل، فإن النقد الذي سيوجه إلى أولمرت في هذه الشأن لن يتجاوز ما ورد بحقه في التقرير الأولي، ولذلك فإن المسؤولية ستُحمّل بشكل أساسي للمستوى العسكري.
وفي كل الأحوال، يبدو أن الحلبة السياسية الإسرائيلية بدأت تستعد لتغييرات محتملة على وقع اقتراب صدور التقرير. فبعد يوم من انسحاب حزب «إسرائيل بيتنا» من الحكومة وتضعضع الائتلاف البرلماني الذي تستند إليه حكومة أولمرت، صرح وزير البنى التحتية، القيادي في حزب «العمل»، بنيامين بن إليعزر، أن رئيس الحزب وزير الدفاع إيهود باراك، قد يسعى إلى استبدال أولمرت في موقع رئاسة الحكومة بشخص آخر من حزب «كديما» إذا تضمّن تقرير فينوغراد انتقادات شديدة ضده.
ومعلوم أن باراك كان قد وعد قبيل تسلمه منصبَيه بالاستقالة من الحكومة إذا حمّل التقرير أولمرت مسؤولية الفشل في الحرب. إلّا أن الوضع الشعبي المتدني لحزب «العمل»، بحسب استطلاعات الرأي، يجعل الذهاب نحو انتخابات مبكرة خياراً مستبعداً، ولذلك يواجه باراك حالياً معضلة الوفاء بوعده من جهة، ومن جهة أخرى تقديم الحكم لحزب الليكود على طبق الانتخابات التي سيفضي إليها انسحابه من الائتلاف الحكومي. ولذلك، يرى معلقون أن المخرج المرجح بالنسبة إلى رئيس حزب العمل هو السعي إلى إطاحة أولمرت من رئاسة الحكومة مع الإبقاء على شراكة «كديما» في السلطة.
ويبدو أن تصريحات بن إليعزر، المعروف بقربه من باراك، تمثّل خطوة في إطار هذا التكتيك، حيث أوضح أن «أحداً لن يفاجأ إذا صدرت دعوات من حزب العمل إلى استبدال أولمرت وتأليف حكومة برئاسة مرشح آخر من كديما»، وأضاف «إذا لم يتحقق ذلك، فكما وعدنا سيباشر حزب العمل مفاوضات مع كل الكتل البرلمانية للتوصل إلى تاريخ متفق عليه لإجراء انتخابات عامة في نهاية العام الجاري أو مطلع العام المقبل».