حيفا ــ فراس خطيب
مشاهد الحصار المنقولة من قطاع غزّة، لم تترك حيّزاً للتجاهل في مناطق فلسطينيّي 48. فالعزلة التي تحاول السلطات الاسرائيليّة فرضها على فلسطينيّي القطاع، جعلت من أهالي غزّة القابعين من وراء الحواجز، أكثر حضوراً في الشارع الفلسطيني في الداخل ومدنه. وتلك الظلمة القاتمة على أرجاء القطاع، خلقت ضوءاً يتسلّط على القضية الفلسطينية، جعل نقاش وشعارات المتظاهرين المتجوّلين في شوارع حيفا والناصرة والقرى العربية، وإن كانت متواضعة، موحّدة تحت شعارات واحدة لكسر الحصار، بعد عام الانقسامات الفلسطينية الأخير.
في أحد المقاهي العربية في مدينة حيفا، وسط حيّ مكتظّ بالعرب والمهاجرين الجدد والطلّاب الجامعيّين، قرّر المسؤول العربي هناك، منذ بداية العدوان الأخير على القطاع، أن يقلب المحطّة التلفزيونية.
«لا وقت الآن لدوري كرة القدم»، قال، حين قلب إلى قناة «الجزيرة»، التي كانت تبثّ مباشرة المشاهد عن ظلام غزّة، وعمّ الصمت على الحضور.
كان مشهد الطفل المنقطع عنه جهاز التنفس مؤثّراً إلى حدّ الغضب الشديد. وعلّق شاب «أحيانًا أحتقر نفسي. حين أكون هنا، تحت التدفئة، والشعب هناك، أبناء شعبي، لا يجدون ما يأكلونه. أسأل نفسي، ماذا عليّ أن أفعل؟ وأعود خائباً دائماً». ويتبعه آخر بلهجة أكثر تفاؤلاً: «الحصار لن يجدي، تماماً مثلما لم تجدِ عشرات السنوات من الاحتلال، فالمسألة مسألة وقت».
التحرّك، ولو متواضعاً، اكتسب رمزيّة أكبر من أي وقت مضى. «شباب جدد»، وإن كانوا قليلين، ممّن كانوا بعيدين عن الأحداث السياسية، ومنعزلين عمّا يحدث خلف الجدار والحواجز، باتوا جزءاً من التظاهرات الصغيرة، شبه اليومية على مستديرة الحيّ الألماني، أكثر الأحياء اكتظاظاً.
الأعلام الفلسطينية تهيمن على المشهد. شعارات وهتافات تراوح بين المطالبة والغضب، يسمعها المارّة في الشوارع. مشهد يبعث الأمل بالنسبة لكثيرين، ويقول أحدهم «على ما يبدو، فإنَّ الوقود الذي لم يصل غزة، أشعل كثيرين في الداخل».
وتشهد مدينة الناصرة أيضاً اعتصامات يوميّة عند ساحة العين تنديداً بالحصار. يجتمع العشرات يومياً من جميع الاحزاب، يحملون الأعلام الفلسطينية والمشاعل، متحدّين جنون البرد والشتاء، ومندّدين لا فقط بالاحتلال الاسرائيلي، بل بـ«موقف الزعماء العرب من الحصار»، حتّى إن من بينهم من يعتبر هؤلاء الزعماء «شركاء في ظلام غزّة».
التضامن بين أبناء الشعب الواحد المقسّم يزداد، رغم محاولات السلطات الإسرائيلية. كل الاحزاب العربية تجمع على أنّ إسرائيل «تريد تركيع شعبٍ لا يركع»، ومنهم من يعتبر الخطوات الاسرائيلية «إفلاساً»، ومنهم من يعتبر «أنّ التصرفات الاسرائيلية هي للتغطية على فشل حرب لبنان في ظلّ (تقرير) فينوغراد».
وتشهد القرى العربية تحرّكات ومسيرات مشاعل وشعارات لكسر الحصار: «غزة لا تركع للدبابة والمدفع، وحرية لسجناء الحرية». ومنها شعارات تدين الموقف العربي وتعاطيه مع القضية الفلسطينية، مشددين على أن «وقت الوحدة قد آن لمواجهة مخطّطات الاميركيين».
وقبل يومين من التظاهرة المقرّرة يوم السبت المقبل عند معبر بيت حانون، والتي من المتوقّع أن تكون حاشدة، وصل المئات من المتظاهرين الفلسطينيين بدعوة من «هيئة كسر الحصار عن غزة» إلى حاجز معبر «إيرز» (بيت حانون) احتجاجاً على مواصلة الحصار، بالإضافة إلى محاولة إدخال شحنة من الأدوية إلى قطاع غزة. وكان من بين المتظاهرين نشطاء من جميع الاحزاب العربية.