هآرتس ـ عوزي بنزيمان
«الرجولة» الإسرائيلية ظهرت في الأيام الأخيرة في كامل عُريها: وزراء متحمّسون طالبوا وزير الدفاع بالقضاء على حسن نصر الله، وكأن هذه العملية تعتمد على الرغبة وحدها. إيهود أولمرت وإيهود باراك تحدثا عالياً عن قدرة حكومتهما على الضغط على سكان قطاع غزة وقيادته الى أن يرفعوا الراية البيضاء، وكأن إسرائيل لا تتأثر بردود الفعل الدولية. «استطلاع الوطنية»، الذي أُعد قُبيل مؤتمر هرتسليا، أظهر وجود استعداد لدى سكان الشمال والمناطق المحاذية للقطاع أعلى من المعدل القطري للدفاع عن الوطن، بينما تشير قدرتهم على مواجهة صواريخ «القسام» و«الكاتيوشا» الى قدرة تحمّل أضعف على المستوى الواقعي.
الفجوة بين المواقف المعلنة والأداء على أرض الواقع تشمل كل شرائح المجتمع: في ختام حرب لبنان الثانية، تفاخر رئيس الوزراء بأنه يتحرك بحرية في عواصم العالم، بينما يضطر قائد حزب الله الى الاختباء في بلاده. ولكن في الأسبوع الماضي برهن حسن نصر الله على أنه هو أيضاً قادر على الظهور علانية. خلال الحرب، صرّح رئيس الوزراء بأنه يتحمل المسؤولية العليا عن نتائجها وما يحدث فيها. أما اليوم فيقول إنه لا ينوي تقديم فاتورة الحساب عن إخفاقاتها. بالأمس عبّر أولمرت وباراك عن عزمهما الحازم على مواصلة مضايقة سكان قطاع غزة رداً على إطلاق الصواريخ والراجمات على التجمعات اليهودية المجاورة، وفي المساء أمرا بتخفيف الحصار وإدخال الوقود والأدوية للفلسطينيين.
يمكن الافتراض أن رئيس الوزراء ووزير الدفاع توقعا مسبقاً أن يثير إغلاق بوابات غزة ومنع دخول البضائع الضرورية للقطاع الصراخ ويوجها الضغوط الدولية نحوهما، ومع ذلك لم يترددا في إعطاء الانطباع بأنهما مصمّمان على مواصلة هذا النهج الى أن تُوقف «حماس» إطلاق الصواريخ، ولكن بعد 12 ساعة فقط استؤنفت الإمدادات للمنطقة المحاصرة. أيضاً عندما نأخذ بالحسبان الظروف التي نشأت ونقول إنها قد بررت قرارهما، كنوع من محاولة تحقيق الهدوء فعلياً على أساس بادرة إسرائيلية أحادية الجانب، إلا أنه لا يتساوق مع الموقف العلني الذي طرح توجهاً حازماً.
«الاسترجال» اللفظي الاسرائيلي ليس صفة من الصفات الشخصية للسياسيين فقط، وهم في هذا الإطار ممثلون أصيلون للجمهور كله.
المجتمع كله، وخاصة قادته، يعيش تناقضاً بين مواقفه المعلنة وسلوكه على أرض الواقع. إحدى النتائج الخطيرة لهذا الوضع هي التقارير الكاذبة والمعلومات الخادعة. في الماضي، هذه كانت ثقافة الأنظمة والمجتمعات العربية؛ واليوم من المقلق أن نرى كيف وإلى أي مدى تفشّت هذه المتلازمة في صفوفنا.