يديعوت أحرنوت ـ غي بخور
لو لم يكن نصر الله موجوداً، لكان من الواجب علينا أن نوجده، لأنه أصبح بمعانٍ كثيرة أفضل مرشد لبقاء إسرائيل. وكمرشدٍ وجودي، فإنه لا يرحمنا، ويوجّه إلينا طائفة من التحديات. يعلّمنا نصر الله قواعد المساومة الصارمة في منطقتنا، وقواعد القوة والضعف، وكيف يجب علينا، كأقلية مهددة، أن نكون أقوياء مصممين في الشرق الأوسط. إنه يذكّرنا في أي جزء من العالم نعيش، حتى لو اعتقد البعض منا بأننا ربما انتقلنا إلى غرب أوروبا أو إلى شرق أوسط جديد.
يذكّرنا نصر الله بأنه على الرغم من الكلام الجميل عن التكنولوجيا الدقيقة والمتنزهات الاصطناعية في الأماكن الحدودية، لا يزال الشرق الأوسط غريزياً، ثأرياً طائفياً وقاسياً. سمّوه هنا، (نصر الله) «جزاراً وقاتلاً»، لكنه ليس هو من أوجد الشرق الأوسط، وهو يلعب وفقاً لقواعده القاسية فقط. والأهم إنه يعلّمنا.
لماذا نؤاخذ هذا الزعيم الشيعي؟ لقد عوّدناه والآخرين على التنكيل بنا، ونحن دائماً مستعدون للتنازلات. عوّدناهم على أن نكون مستعدين لفعل كل شيء تقريباً لاستعادة أشلاء ضائعة. أما من أجل جثة فما الذي لا نفعله؟ هكذا هي الحال في سوق الشرق الأوسط: إذا كان هناك استعداد للدفع، فإن الأشلاء والأعضاء ستعرض للبيع. استغرق ذلك نحو عشرين عاماً، لكننا بدأنا نفهم قواعد المساومة.
اعتقد كثيرون عندنا في العقد السابق بأن عصر الحروب قد ولّى من الشرق الأوسط، إلى حد أنه ربما لا تكون هناك حاجة لجيش قوي. بدأت الاقتطاعات من موازنة الدفاع والاستهانة بالجيش وبجهاز الأمن. كما وُجد مثل أولئك الذين غرسوا فينا إحساساً بأننا قوة عسكرية كبيرة جداً، وأننا محصّنون ضد كل شيء. هذا ما اعتقده جيل كامل في العقد السابق. الشكر لك يا نصر الله لأنك أعدتنا إلى الواقع، وإلى شحذ حواسنا من جديد، ولأنك ذكّرتنا بالخطر الذي يترصد دولة صغيرة كدولتنا. صحيح، ليس من السهل علينا التنبّه، لكننا نتعلم سريعاً.
ينبغي أن نشكر نصر الله أيضاً لأنه علّمنا حيل حربه النفسانية. ففي البدء وقعنا في الشرك، لكنه لكثرة استعمالها علّمنا أن نعرفها، حتى أصبحت شفافة في نظر أكثر جمهورنا. لكثرة استعماله إياها، أصبح عندنا حصانة منها، وهي الآن ترتد على صاحبها.
كذلك ينبغي أن نشكر نصر الله لأنه أظهر لجيشنا المدى الذي بلغه في كونه غير ذي صلة بالتهديدات التي تتبلور. بفضل الحرب الأخيرة، عاد الجيش ليصبح قوياً، أو ينبغي أن نعتقد بذلك على الأقل. كان نصر الله وشيعته، من دون رغبة منهم، المنبّهين الذين أيقظوا الجيش الإسرائيلي والمجتمع من حوله أيضاً.
مثل مرشد حريص، ينقل نصر الله هذه الدروس رويداً رويداً، وبالتدريج، لنستطيع هضمها، ولنتعلم الدرس جيداً، حتى ننضم في آخر المطاف فعلاً إلى الشرق الأوسط، وفقاً لقواعده. دفعنا خسائر مؤلمة ثمن هذا الدرس، لكننا تعلّمنا العبرة، ولا حاجة إلى لجان تحقيق، فجمهورنا قد فهم.
إليكم المفارقة الكبيرة بلسان حال نصر الله: أنا الرجل الذي أطلق توصيف بيت العنكبوت على المجتمع الإسرائيلي، أصبحت الآن الشخص الذي يعلّم الاسرائيليين كيف يخلّصون أنفسهم من خيوط هذا البيت، وكيف يعيدون تعزيز وجودهم من جديد. لولا نصر الله، وفي ظل الشعور الموهوم بـ«نهاية النزاع» الذي سيطر علينا إلى وقت قريب، أين كنا سنقف اليوم في صراع البقاء الكبير في الشرق الأوسط؟