معاريف ــ عوفر شيلح
لن يؤلّف أحد كتاباً عن عملية اتخاذ القرارات التي سبقت قرار منع إمدادات الوقود وباقي المواد الأساسية عن قطاع غزة هذا الأسبوع. لن تقوم أية لجنة تحقيق بالمساءلة، وإن فعلت، فستجد أن هناك عملية صنع قرار منظمة ومرتبة: المشاورات كانت بلا نهاية، والمعلومات التي توافرت أمام أصحاب القرار كثيرة. الجيش يطرح تصوراته ووزارة الخارجية مشاركة. القرارات مدروسة وليست عفوية.
ومع كل ذلك، لو جرى التحقيق يوماً ما في هذه المسألة، فمن المشكوك فيه أن يظهر أن هناك أحداً ما كان قد توقّع، قبل اتخاذ القرار، ردود الفعل التي حصلت خلال نصف يوم: استنكار دولي شديد وانسحاب متردد وضغط داخلي ـــ عربي أدى إلى انهيار خط الحدود بين القطاع ومصر. انتصارٌ فكريٌ على مستوى الوعي لحكومة «حماس». الحماقات يمكن أن ترتكب أيضاً من خلال عملية صنع القرار المنظمة التي لن تجد لجنة التحقيق فيها أي خلل.
بعد عامين ونصف العام على فك الارتباط، أخذ قطاع غزة يقترب في وضعه وأحواله من وضع لبنان في أواخر التسعينيات ـــ الحالة المزاجية نفسها تماماً، التي سببت المقت لمجرد اسم «المنطقة الأمنية» بحد ذاته، والتي كان المرشحون لرئاسة الوزراء يسارعون إلى إطلاق الوعود بالانسحاب منها خلال عام. شعورٌ بالنحس والشؤم بأن أي شيء جيّد لن يخرج من غزة، وأن كل ما نفعله لن يؤدي إلى نتائج.
ولكن رغم ذلك، ليس من الممكن قطع الصلة بغزة. لقد خرجنا من هناك قبل زمن، ولكن كل منطقة لا يوجد فيها حكم سيادي تبقى معتمدة عليك، وتلزمك البقاء متصلاً بها. إسرائيل لا تعترف بالحكم في غزة، ولذلك لا يمكنها تغيير الاعتماد عليها. لبنان كان مستنقعاً وغزة هي مصيدة.
كل شيء مرتبط بعضه ببعض. لا يتوقع أحد من أولمرت أن يحل المشكلة التي لم ينجح باراك ولا شارون في حلها.
غزة هي البطاقة ـــ إحدى البطاقات على الأقل ـــ لخلاص أولمرت ووزير دفاعه، سياسياً. الهدوء في غزة سيكون سبيل أولمرت لإزالة وصمة لبنان، وهو إنجاز يمكن باراك أيضاً أن يتفاخر به وربما يتغلب من خلاله على الكراهية الشعبية له. كل هذا يتمخض عن شعور بالاستعجال في قضية غزة والتعطش لشيء ما يكون إيجابياً، والاستعداد لاجتياز الخطوط التي تردد سابقاً في عبورها. ولكن من الذي يستطيع أن يحقق إنجازاً في هذه المصيدة؟
عندما سينتهي أولمرت وباراك من التردد والحيرة واحتساب عدد أعضاء الكنيست والنقاط في الاستطلاعات، ستبقى مصيدة غزة في الانتظار.